كتبت هيام القصيفي في “الأخبار”:
فيما تقترب الذكرى الأولى لحدث 7 تشرين الأول، تتبدّل قراءة المشهد الجنوبي، تبعاً لتطور الحدث العسكري وإيقاعه، وفق تبدّل نوعيات العمليات والاغتيالات والردود المتبادلة. وإذا كان الكلام الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أعطى ملامح تطبيع للوضع العسكري، رغم ارتفاع منسوب الهجمات الإسرائيلية، إلا أنه، في المحصّلة، لا تزال حرب الاستنزاف تفرض واقعاً عسكرياً على لبنان، كجبهة قائمة مرشّحة لأن تبقى كذلك إلى وقت غير معلوم. والبلد الواقع على تماس بين دول المواجهة، لا يعيش على الإيقاع نفسه الذي كان يفترض أن تعيشه دول عربية مجاورة كالأردن وسوريا اللذيْن يفترض أن يكونا معنييْن مباشرة بتطورات ما يحصل على حدودهما.قبل أسابيع قليلة، كان زوار غربيون في عمّان يستطلعون الوضع الأردني بعد أقل من سنة على اندلاع المواجهة بين إسرائيل وحماس في غزة، قبل انتقالها أخيراً إلى الضفة الغربية. ولمس هؤلاء مدى قلق السلطات الأردنية على مصير المنطقة، في خضمّ اتجاهات الحرب غير المسبوقة والانقلاب الذي تعيشه إسرائيل ما بعد 7 تشرين الأول. ونقلوا أن ثمة ترقباً وقلقاً حيال أوضاع المنطقة ككل، في سياق تأثيرات إيران في دول المنطقة، وما تفرضه إسرائيل من إيقاعات جديدة على مسار الوضع لم يسبق أن شهدتها المنطقة. وهذا التحول الإسرائيلي لا يزال موضع دراسة أردنية معمّقة حيال ما يمكن أن تحمله إسرائيل مستقبلاً نحو دول الجوار وأي تسويات محتملة ولو كانت مؤقّتة. وهذا ما يحاول الأردن تلمّسه مسبقاً. ولا تغفل السلطات الأردنية القلق على وضع الأردن، رغم توافر الحمايات الغربية وإلى حد ما العربية له. لكن وجود الأردن من ضمن التحالف العربي – الغربي، والحماية له، لا يلغيان حالة القلق المستمرة حيال دخول التوتر إلى أراضيه. وحادثة جسر اللنبي – الملك حسين، أخيراً، تعبّر عن مستوى الخوف لديه من تدحرج الأوضاع فيه إلى ما يشبه ساحة توتر دائمة، بحيث لا تعود لديه القدرة على ضبطها. وإذ يحاول الأردن إقامة خط توازن بين التحالف الذي ينتمي إليه وعلاقته مع إيران التي كان واضحاً في رسائله إليها بعدم جواز إدخاله في أي مستوى من الرد على عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، إلا أنه يبقي خيمة فوق رأسه، ويطمئن إلى أن أي مستوى تضامني، في بلد موحّد الانتماء، لن ينتقل إلى مستوى مختلف عن ذلك الذي يرسمه النظام.
في سوريا الأمر مختلف. منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس ومن ثم مع حزب الله، لم تدخل سوريا في وحدة الساحات. الغياب شبه المطلق عن الحدث الذي يكاد يفجّر المنطقة، لم يعد مفاجئاً كما في الأسابيع الأولى. الكلام الروسي والأميركي يتحدّث عن تحذيرات إسرائيلية شديدة اللهجة تجاه أي تدخل من جانب سوريا، الأمر الذي التقطه النظام كما إيران، فلم تشملها في قائمة ساحات المواجهة والإسناد. وإلى جانب الحماية الروسية، كما الحماية الأميركية للأردن، فإن سوريا لها اختلاف طويل الأمد في الرؤية مع حماس. ورغم الضربات الإسرائيلية المتتالية لمواقع محددة داخلها، لا تزال سوريا خارج إطار محور الإسناد، على عكس ما يجري من اليمن إلى لبنان مع اختلاف نوعية المواجهة. وهذا ليس تفصيلاً في قراءة المشهد السوري بعد الرعاية الإيرانية، وحضور حزب الله فيه، والدور الروسي الذي يمسك إيقاع القرار السوري.
في لبنان، يُنظر إلى سوريا والأردن كنموذجين مختلفين، الوضع اللبناني عالق بينهما. ما يميز هذا الوضع الاختلاف الجذري في قراءة الموقف اللبناني العام غير الموحّد من حرب الإسناد ومن أصل القضية التي تخاض من أجلها الحرب، بين قرار حزب الله وموقف الحكومة المتأرجح إزاء ما يريده الحزب مقابل إبقاء سقف من العلاقات الدولية قائماً فوق لبنان، وبين القوى السياسية التي تعارض معارضة شديدة أي دور للبنان في الصراع الدائر. وهذا الفريق لا يزال يعتبر أن لبنان لا يتمتع، على عكس الأردن، الذي يقدّم قواعده وحضوره وتماسكه، بالحماية اللازمة من الولايات المتحدة إلا بحدود مضبوطة الإيقاع، لم تتحوّل إلا مظلة كاملة، بفعل الحضور الإيراني الفاعل. وثمة تخوّف لا يزال قائماً من تسوية أميركية – إيرانية لا تأخذ في الاعتبار كامل المصلحة اللبنانية، بحسب هذا الفريق. تقابله نظرة مشكّكة كذلك بحجم التدخل العربي الذي يبتعد كلياً عن لبنان، لصالح الهاجس الإيراني، فتغلّب دول عربية وخليجية فاعلة، مصالح الاستقرار الخليجي، في التهدئة مع إيران، على الوقوف موقفاً متماسكاً من موقع حزب الله في المعادلة اللبنانية، وبعدما دفع لبنان ثمن إبعاد المشكلات الإقليمية عن الدول العربية لسنوات طويلة، يدفع مرة أخرى ثمن حرب الإسناد.