IMLebanon

سيناريوهات إفتراضية لحرب أوسع تتقدّم

جاء في “الراي الكويتية”:

يتّجه لبنان إلى «تَعايُشٍ» يستنبط سباقاً بين «هديريْن»، احتجاجاتٌ مرشّحة للتمدّد كـ «بقعةِ زيتٍ» فوق رقعة الانهيار المالي الذي مازال خارج أي أطرٍ «تنظيمية»، وطبولُ حربٍ أوسع تَقْرعها إسرائيل على جبهتها الشمالية ويتمّ تفيؤ إمكان حصولها أو النجاح في تجنُّبها لمحاولة الدفع نحو انتزاعِ أزمةِ الانتخابات الرئاسية المتمادية (منذ تشرين الثاني 2022) من «بين أنياب» صراعٍ سياسي ذات امتداد إقليمي ازدادتُ تعقيداته بعد «طوفان الأقصى» وإشعال «حزب الله» ساحة المُشاغَلةً من الجنوب.

وفيما كانت جبهة غزة مأخوذةً بما يشي أنه «قنبلةً دخانيةً» رمتْها إسرائيل في أروقة مفاوضات الهدنة عبر عرْض «رواق آمن» على زعيم «حماس» يحيى السنوار للخروج من القطاع بمجرّد إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين لدى الحركة، فإنّ غبارَ العمليات الإسرائيلية الواسعة والمكثفة ضدّ أهداف لـ «حزب الله» في جنوب لبنان وما تزعم أنه منصات صواريخ تابعة له بدا مدجَّجاً بخشية عارمة من أن تكون إسرائيل ماضية في مخطط استخدامِ فشلِ، أو إفشال بلوغ اتفاق حول غزة لنقل «البندقية» في اتّجاه الحزب.

وإذ عزّز هذه الخشية ما نقلتْه صحيفة «هآرتس» عن مسؤولٍ غربي مطّلع من أنّ «واشنطن أبدت مخاوف من أن يدفع فشل إبرام صفقة مع«حماس»إسرائيل إلى شنّ حرب على حزب الله»، وكشْفه «أن الإدارة الأميركية حذرت إسرائيل من المبادرة لتصعيد واسع وحرب شاملة مع لبنان»، لم تقلّ إثارة للمخاوف تقاريرُ صحافية في بيروت (جريدة «الأخبار») تحدّثت عما يشبه «الحيثيات» لعمليةٍ عسكرية من اسرائيل تم استخلاصها من زياراتٍ موفدين ومبعوثين وترتكز على رغبةٍ في فرْض إطارٍ لعودةٍ آمنة لمستوطنيها الى الشمال تمرّ بتفكيك البنى العسكرية (المرئية أو غير المرئية) لحزب الله على طول الحدود مع لبنان، ونشر قوات كبيرة من اليونيفل والجيش اللبناني تضمن جعْل جنوب الليطاني بكامله منزوع السلاح أو أقله مساحة بعمق 8 إلى 10 كيلومترات.

كما كَشفتْ «المَدْخلَ» المحتمَل للشِقّ البَري من هذه العملية «عبر مناطق الجنوب والجنوب الغربي لسورية ثم التقدم شرقاً باتجاه عمق لبنان بغية قطع الطريق بين البقاع والجنوب».

عقوبات
وعلى وقع هذه المناخات العالية المخاطر، وفيما فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عقوبات على شبكة لبنانية (5 شركات وكيانين) اتهمتها بتهريب النفط والغاز المسال للمساعدة في تمويل حزب الله، بدأ الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي ونائب المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل أمس زيارة لبيروت (تستمر يومين) يلتقي خلالها كبار المسؤولين وذلك من ضمن جولته في المنطقة التي شملت مصر قبل لبنان، في الوقت الذي رفضت إسرائيل استقباله في غمرة انتقاداتٍ حادة وجهتها له على خلفية سعيه لفرض عقوبات على مسؤولين فيها «لتحريضهم على الكراهية وارتكاب جرائم حرب».

وفي حضرة بوريل الذي يبحث في بيروت حرب غزة وأفق جبهة الجنوب اللبناني، شهدت هذه الجبهة موجةً جديدة من الغارات المكثفة الإسرائيلية التي لفّت بـ «حزامِ نارٍ» فجر أمس المنطقة الحرجية والبساتين المتصلة بين أطراف بلدات زبقين – الشعيتية – القليلة جنوب صور، ليعلن الجيش الاسرائيلي أنه هاجم مواقع لـ «حزب الله» وتتحدث مصادر أمنية في تل ابيب عن أن سلاح الجو دمّر نحو 25 منصة لإطلاق الصواريخ.

وفي حين استمرّت الغارات طوال النهار على العديد من البلدات الجنوبية مع قصفٍ مدفعي لقرى أخرى ولا سيما الخيام، استهدفت مسيّرةٌ دراجةً نارية في ميس الجبل ما أدى إلى سقوط أحد عناصر «حزب الله» ولاحقاً دراجة ثانية في منطقة البياضة جنوب صور، بعدما كان أُعلن عن انفجار محلّقتيْن مفخختيْن في حديقة بلدة مارون الراس تسببتا بأضرار في منشآت الحديقة.

وردّ «حزب الله» على هذه الاستهدافات كما التعرّض لمبنى سكني أول من أمس في مدينة النبطية بسلسلة عمليات كان أبرزها (حتى عصر أمس) ضد حاجز عسكري في مستعمرة دان «بالأسلحة المناسبة» و«المقر المستحدث التابع لقوات الفرقة 146 في قاعدة أبيريم المستحدثة بصليات من صواريخ الكاتيوشا».

150 ألف نازح
وفي موازاة ذلك، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعلن أمام مجلس الوزراء أن عدد النازحين في الداخل اللبناني بلغ حدود 140 الفاً، كاشفاً «أننا طلبنا عقد اجتماع لمجلس الأمن للبحث في العدوان الاسرائيلي المتمادي على لبنان، وشددنا على اننا سنتقدم بشكوى جديدة الى المجلس لأننا نحترم المؤسسات الدولية وخاصة الامم المتحدة»، متعمّداً القيام بما بدا تصحيحاً للالتباس الذي أَحْدثه كلامُ وزير الخارجية عبدالله بوحبيب عن رغبة لبنان في قرار جديد غير الـ 1701 لوقف الحرب في الجنوب وذلك بإعلانه أنه «في الفترة الماضية حصل التمديد لقوة «اليونيفيل» وهذا لم يكن حصل لولا ان لبنان يثبت يوماً بعد يوم أنه في قلوب وعقول أصدقائه في العالم. وبالإجماع تم التمديد لليونيفيل وتجديد الثقة بلبنان والتأكيد على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته».

قطع طرق
وجاءت جلسة الحكومة مباغتة ومن دون إعلان مسبق عنها، غداة إرجائها (وجلسة ثانية كانت مخصصة لمناقشة مشروع موازنة 2025) بفعل قطع طرق في محيط السرايا الحكومية من العسكريين المتقاعدين للضغط في اتجاه إقرار مطالبهم الخاصة بتصحيح رواتبهم، وحرص ميقاتي على تفادي إراقة أي نقطة دم فيما لو طلب فتْح الطرق بالقوة.

ولم «يتجرّع» العسكريون المتقاعدون انعقاد الجلسة التي اعتبروها «تهريبة»، وتقاطروا بعد «انكشاف» انعقادها الى محيط السرايا حيث عاودوا قطع الطريق، كما قطعوا جسر الرينغ بالإطارات المشتعلة وهددوا بقطع طرق اخرى، معتبرين أن ما حصل «يدل على نيات سيئة تحضّرها الحكومة وتحديداً رئيسها ضد حقوق المتقاعدين العسكريين»، داعين إلى «أعلى جهوزية اعتباراً من هذه اللحظة، وإعلان حالة طوارئ مفتوحة (…) وما سيحصل سيفاجئ الحكومة، وسيكون التحرك على نطاق واسع في الأماكن التي تهزّ مضاجعهم».

وسريعاً ارتسم سباق بين توعُّد العسكر المتقاعد بالأسوأ وبين وعد ميقاتي في مستهل الجلسة – وبعدما جدّد استغرابه للاحتجاجات التي حصلت امام السراي والتصعيد الكلامي «لاننا لم نبدأ بعد مناقشة بنود الموازنة» – بـ «اننا في صدد اتخاذ اجراءات مؤقتة تقضي باعطاء العاملين في القطاع العام مساعدة اجتماعية، الى حين إقرار الموازنة في مجلس النواب، وهذا الاجراء سبق أن اعتمدناه وتم تطبيقه على العسكريين في الخدمة وعلى المتقاعدين ايضاً، في موازاة إعداد مشروع قانون متكامل، سيحال على مجلس النواب، يقضي بضم كل ما أعطي من مساعدات اجتماعية ومثابرة الى صلب الراتب، لأن هذا الأمر أساسي للموظفين».

الملف الرئاسي
ولم تحجب هذه الملفات ديناميةً مستعادة على تخوم الملف الرئاسي، وإن لا يُتوقّع أن تفضي إلى اختراقٍ وشيك، عبّر عنها أمس حِراك السفيرين الفرنسي هيرفيه ماغرو والمصري علاء موسى في اتجاه ميقاتي، وسفير قطر الشيخ سعود بن عبدالرحمن آل ثاني في اتجاه رئيس البرلمان نبيه بري، في موازاة زيارة موسى أيضاً لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

وفي حين لم يَغِبْ ملف الجنوب عن هذه اللقاءات، فإن الطبَق الرئيسي كان الأزمة الرئاسية، باعتبار أن هؤلاء السفراء يمثلون 3 من الدول الخمس التي تشكّل «مجموعة الخمس» حول لبنان (مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية) وتتولى محاولة شقّ «مخرج طوارئ» من الأزمة الرئاسية، وينُتظر أن يجتمع ممثلوها في بيروت في الأيام القليلة المقبلة في ضوء الاجتماع السعودي – الفرنسي الذي عُقد في الرياض الأسبوع الماضي وتمهيداً لزيارة مرتقبة للموفد الفرنسي جان – أيف لودريان للبنان نهاية الشهر الجاري.

وبلور موسى طبيعة ما يشهده الملف الرئاسي العالق على إصرار حزب الله وبري على المرشّح سليمان فرنجية وعلى حوار أو تَشاور كممرّ إلزامي لمعاودة الدعوة الى جلسة انتخابٍ بدورات متتالية، ورفْض غالبية المعارضة أي تشاور سابِق للجلسة بل يكون مُمْكِناً بين دوراتها المتتالية ولا يتّخذ أي شكل «مؤسساتي» أو يكون برئاسة بري. وهو أوضح بعد لقاء ميقاتي أنه وضعه في جو نشاط اللجنة الخماسية «والخطوات التي تنوي اتخاذها اعتباراً من الأسبوع المقبل، لربما نستطيع ان نحدث حلحلة في هذا الملف، ونأمل أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التحركات من «الخماسية» ومن الأطراف اللبنانية وصولاً إلى إحداث خرق مهم في الملف الرئاسي».

وبعد لقائه جعجع وصف السفير المصري الاجتماع بأنه «كان جيداً، وسنرى ما ستأتي به الأيام المقبلة وأتمنى أن نُحْدِثَ الخرق الذي نبحث عنه في الملف الرئاسي، لأن لبنان بات في موقف لا يتحمل البقاء من دون رئيس لفترة أطول، نظراً للتحديات الكبيرة والمهمة الآتية»، موضحاً «لابد من البحث عن النقاط المشتركة، وهناك نقاط مشتركة قد تكون قليلة بعض الشيء، لكن هناك قدر منها، سنعمل عليها ونبحث عن شيء يمكن أن يساعدنا في إحداث حلحلة في هذا الملف المهم».

وبالنسبة إلى النقاط المشتركة قال: «دائماً أقول إن التشاور والحوار هما أساس العملية السياسية، وهذا شيء مهم للجميع. لكن كيفية التشاور وآلياته، فهي أمور أخرى أتصور أنه يمكن البحث فيها. الأهم هو الاتفاق معاً على أمرين، الأمر الأول ضرورة انتخاب رئيس، والأمر الثاني أننا لن نصل إلى رئيس سوى من خلال التفاعل بين القوى الرئيسية في لبنان. والقناعة التي لدي هي أن الحوار والتشاور والحديث سيصل بنا حتماً إلى نتيجة، وإلى مرشح أو اثنين أو ثلاثة يكونون صالحين لقيادة هذا البلد».

وفي سياق متصل، نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر في المعارضة مطلعة على حراك الخماسية ان السفير موسى لم يحمل اي اقتراح او طرح جديد الى معراب (حيث مقر جعجع) «وبدا مستمعاً أكثر منه متحدثاً ولمس ليونة معينة إزاء اجراء الاستحقاق من دون التراجع عن الثوابت المعلَنة لا سيما لجهة القبول بالتشاور والحوار بعد جلسة الانتخاب شرط عدم ترؤسها من جانب الرئيس بري».