IMLebanon

لا إصابات بالكوليرا بعد… ولكن!

كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:

زاد منسوب القلق من عودة «الكوليرا» إلى لبنان، بعد عامٍ من انحسارها. فمع تجدّد الوباء وسرعة انتشاره في سوريا، بدأت حالة تأهّب لبنانية لاحتمال دخول الإصابة الرقم 1 عبر الحدود السورية. وبدأت وزارة الصحة حملة تلقيحٍ واسعة شملت حتى أواخر الأسبوع الماضي ما يزيد على 150 ألفاً في المناطق المكتظة والمختلطة والحدودية. فيما زادت المخاوف مع إعلان المصلحة الوطنية لنهر الليطاني أمس رصد تلوث بالكوليرا في نقطتين في الحوض الأعلى من النهر.المخاوف يعززها انتشار الوباء بين تشرين الأول 2022 وتموز 2023، بعد 30 عاماً من انحساره، إذ سجّلت خلال هذه الفترة ما يزيد على 8 آلاف حالة مشتبه في إصابتها و671 إصابة مؤكدة و23 حالة وفاة، بحسب بيانات وزارة الصحة التي تمكنت من السيطرة على الوضع قبل تحوّله إلى جائحة، عبر حملة تلقيحٍ واسعة داخل مخيمات النزوح وفي المناطق المتاخمة للحدود.

غير أنه لا يمكن بأي حال اعتبار اللقاح الحلّ السحري للحؤول دون استعادة الكوليرا نشاطها مجدداً. وبحسب الدكتور عبد الرحمن البزري، الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية، فإن «اللقاح غير كافٍ لمنع الوباء، وجلّ ما يمكن أن يفعله هو الحماية لفترة من الزمن قد تمتد لعدة أشهر أو سنة كحدّ أقصى، أي الاحتواء لا المنع». وأضاف: «نعمل اليوم على التلقيح ضمن المخيمات والمناطق المحاذية للحدود، على أن نعطي جرعة واحدة لا جرعتين ريثما نعرف إلى أين سنصل». فيما «المشكلة الأساس تتعلق بالصرف الصحي والمياه في لبنان»، وفق رئيسة برنامج الترصد الوبائي في وزارة الصحة الدكتورة ندى غصن. وأشارت إلى أنه «لم تسجّل إصابة بالكوليرا بعد، وكلّ الحالات التي اشتبه في إصابتها جاءت نتائجها سلبية»، إلا أنّ «ذلك لا يعني أننا في مأمن»، بسبب الواقع المتردي لشبكات الصرف الصحي ولنوعية مياه الشرب التي يختلط معظمها مع مياه الصرف.

ويشير معظم التقارير والفحوص التي قامت وتقوم بها جهات أممية أو محلية إلى أمرين، أولهما تلوث مياه الآبار والأنهار بنسب تصل إلى حدود 90% من مياه الآبار في لبنان (مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية) وتوثيق التلوث الميكروبيولوجي في معظم الأنهار في لبنان، بحسب ما تشير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني في تقاريرها. وفي آخر التقارير للمصلحة أمس، بيّنت نتائج الفحوص التي أجريت لعيّنات مياه مأخوذة من 7 نقاط في الحوض الأعلى لنهر الليطاني في التاسع من الشهر الجاري تلوثاً بجرثومة الكوليرا في نقطتين أساسيتين، أولاهما تجمّع الصرف الصحي في شتورة والثانية عند جسر الدلهمية. وتنبغي الإشارة إلى أن هذه النتائج تعود «لتاريخ ووقت محدّد»، ما يعني عملياً أنه «مع إعادة التحاليل مجدداً في تواريخ وأوقات أخرى يمكن أن تظهر نقاط تلوث جديدة بجرثومة الكوليرا نتيجة لانسياب المياه في المجرى الطبيعي».

وعزت المصلحة الأسباب إلى «وصول مياه الصرف الصحي المحمّلة بهذه الجرثومة إلى النهر من دون معالجة (…) حيث تبلغ نسبة وجود بكتيريا القولونيات المتحملة للحرارة أكثر من مليون مستعمرة في الـ 100 ملّ من مياه النهر، وهي دليل قاطع على وجود الصرف الصحي في النهر».

يعني ذلك أنه بمجرّد وصول جرثومة الكوليرا إلى المياه السطحية، فإنها ستنتقل وتتفشّى في كلّ النقاط «ما يحمل خطراً صحياً يهدد كلّ أبناء الحوض الأعلى لنهر الليطاني»، في مشهد مكرّر للعام 2022، وربما أسوأ.

ثمة أمر آخر يعزّز الهلع من إمكانية الانتشار، ويتعلّق بـ«الخلطة» القائمة بين شبكات الصرف الصحي والمياه نفسها، فأحد أسباب تلوث المياه في لبنان هو أن معظم شبكات الصرف الصحي غير مكتملة أو تصبّ في الأنهار أو في أحسن الأحوال تختلط بشبكات المياه المهترئة وتصل من خلالها إلى البيوت. يحدث كل ذلك، في الوقت الذي تخطّى فيه الإنفاق على الصرف الصحي كل الخطوط الحمر. وأبسط مثالٍ على ذلك، ما ذكرته «مبادرة غربال» في تقريرها السنوي للعام الماضي عن «الشفافية في الإدارات العامة»، حيث بلغت قيمة عقود الصرف الصحي التي أجراها مجلس الإنماء والإعمار خلال 20 عاماً (2001-2020)، 763,3 مليون دولار، ووصلت قيمة القروض والمنح التي خصصت لمشاريع الصرف الصحي إلى 1.5 مليار دولار خلال 30 عاماً.

أما الأسوأ من كل ذلك، فهي بؤر الأمراض والأوبئة التي سرعان ما تنتشر في مخيمات اللاجئين السوريين بسبب إهمال المنظمات الدولية، ومنها منظمة اليونيسف التي «تتكفّل» عبر برنامج المياه والصرف الصحي والنظافة العامة (wash) معالجة مياه الصرف الصحي الناتجة من كل فرد في المخيمات وتزويدها بالمياه الصالحة للشرب. فبعد سنواتٍ من بدء البرنامج عمله في المخيمات، وبعدما حدّدت كمية شفط مياه الصرف الصحي لكل فرد بـ 17 ليتراً شهرياً وتزويده في المقابل بـ 27 ليتراً من المياه، انخفضت هذه الكميات على مراحل حتى وصلت إلى شفط 4 ليترات من الصرف الصحي لكل فرد و12 ليتراً من المياه شهرياً. وبسبب هذا الانهيار في النسب، تفيض المخيمات بين الحين والآخر بمياه الصرف الصحي مع فيضان الجور الصحية.