جاء في موقع الـ “mtv”:
بعد توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في 3 أيلول الحالي سمع اللبنانيون كثيراً بما يُعرف بـ”حساب الاستشارات” في مصرف لبنان، وأخذ فريق “التيار الوطني الحر” ينسج روايات خيالية حوله في محاولة لاستخدامه في الهجوم الدائم على سلامة ومحاولة محاصرته قضائياً.
تلفت مصادر مصرفية متابعة بدقة لملف توقيف سلامة إلى أن فتح قضية الـ42 مليون دولار من حساب الاستشارات أتى بعد الفشل الذريع لنسج الفيلم البولييودي حول العمليات مع شركة “أوبتيموم” والـ8 مليار دولار، والتي أثبت تقرير هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان أنها دخلت في حسابات مصرف لبنان كجزء من مبلغ أكبر بلغ 13.8 مليار دولار دخلت حسابات المصرف المركزي نتيجة الهندسات التي قام بها الحاكم السابق، وهذه الأرقام موثقة أيضاً ضمن تقرير شركة “الفاريز اند مرسال” في الصفحتين 148 و149، لكن المشكلة أن الفريق العوني في البلد لا يريد أن يقرأ ويستخدم قاضيته غادة عون التي لم تقرأ التقرير وتكتفي بما تورده من مغالطات لا تنتهي وشعبوية مقيتة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالعودة إلى ملف الـ42 مليون دولار، توضح المصادر المصرفية أن رياض سلامة، وبفعل خبرته المالية، أنشأ ما يُسمى بـ”حساب الاستشارات” والذي هو حساب خاص في مصرف لبنان لا علاقة له بأموال المصرف المركزي ويتم تمويله من “عمولات” على عمليات للمصارف التجارية بحيث يلزمها في حالات محددة بأن تخصص مبالغ لهذا الحساب.
وتشرح المصادر المصرفية على سبيل المثال بأنه إذا أراد أحد المصارف بيع سندات خزينة أو ما يشبهها من شهادات إيداع قبل استحقاقها، كان يفاوض سلامة الذي يقدم له عرضاً ويضمّنه إيداع مبلغ في “حساب الاستشارات” بعد إلغاء الفوائد المستحقة، وكان للمصرف المعني أن يوافق أو يرفض. وللمفارقة فإن من أهم المصارف التي وافقت كانت المصرف الأجنبي “ستاندرد أند تشارترد” إضافة إلى عدد من المصارف اللبنانية، فهل كان يمكن لأي مصرف أجنبي أن يوافق على أي إجراء غير قانوني؟
وتتابع المصادر أن كل عمليات الإنفاق من هذا الحساب كانت تمر حكماً عبر موافقات المجلس المركزي في مصرف لبنان، وبالتالي لم يكن سلامة يتفرّد بأي قرار يتعلق بالإنفاق ومحاضر المجلس المركزي واضحة في هذا الإطار. أما عن وجهة الإنفاق فتجزم المصادر بأنها كانت كلها تأتي في إطار المنفعة العامة. فعلى سبيل المثال لا الحصر تولّى مصرف لبنان من “حساب الاستشارات” تمويل مستحقات المحكمة الدولية في إحدى السنوات منقذاً الحكومة من إحراج كبير بعد طلب مباشر من الرئيس نجيب ميقاتي ومنقذاً الوضع الداخلي من أي مواجهات كان البلد في غنى عنها فيما لو تقاعست الحكومة عن دفع المتوجب عليها للمحكمة الدولية وكان يومها بحدود الـ60 مليون دولار مع العلم أن لبنان دفع للمحكمة الدولية كمجموع طوال مرحلة عملها بحدود المليار دولار.
كما أن سلامة ومن “حساب الاستشارات”، والذي يتم تمويله من المصارف الخاصة والشركات المالية ولا علاقة لأموال مصرف لبنان به، كان يتولّى تمويل حاجات أساسية للبلد من دون أن يكبّد الخزينة أو دفاتر مصرف لبنان أي دولار، ويكفي أن يسأل القضاء رؤساء الحكومات المتعاقبة عن عدد المرات التي أنقذ فيها سلامة البلد من ورطات بسبب عجز الحكومات عن الإيفاء بالتزاماتها وتحديداً من “حساب الاستشارات”!
وتسأل المصادر المصرفية عن سذاجة الاتهام لسلامة بأنه أخرج 42 مليون دولار من “حساب الاستشارات” ومررها عبر المحامي ميكي تويني ليعيد تجييرها لنفسه وإدخالها في حسابه الخاص في مصرف لبنان: هل يُعقل أن يُدخل سلامة أموالاً من “حساب الاستشارات” في مصرف لبنان إلى حسابه الخاص في مصرف لبنان؟
وتجزم المصادر بأن سلامة كان يتقن عمليات التوزيع بين الحسابات ليتولّى دفع العمولات لبعض الأشخاص والمؤسسات المالية التي لم تكن تريد أن تظهر على العلن، وكلها عمولات مشروعة وبنسب أقل بكثير مما كان يُدفع عالمياً. وتؤكد المصادر أن جمع أرقام حسابات سلامة سيُظهر بما لا يقبل الشك بأن الموجودات ضمن حساباته لم ترتفع بعد دخول المبالغ إليها بما ينفي نفياً قاطعاً أن يكون حوّل أموالاً لنفسه، كما أن سلامة يملك كل الوثائق التي تؤكد ذلك.
وتختم المصادر المصرفية أنه وعوض تقدير دور سلامة في إلزام المصارف بالمشاركة في تمويل “حساب الاستشارات” لتحقيق منفعة عامة للبلد، ثمة من يحاول أن يقيّد أي دور ممكن للمصرف المركزي في إنماء البلد مستقبلاً ما سيترك المواطنين لقدرهم في ظل سلطة سياسية فاسدة. فمصرف لبنان هو الذي تولّى بسياساته تقديم المساعدات للبنانيين بدءًا من قروض الإسكان عبر المؤسسة العام للإسكان والتي سمحت لـ130 ألف لبنان بتملك شققاً ومنازل وليس انتهاء بقروض الطاقة لتشجيع اللبنانيين على الانتقال إلى الطاقة البديلة، وكل ذلك لا علاقة للحكومات المتعاقبة به وخصوصاً أن كل موازناتها كانت سلبية وتسجّل خسائر على مدى 30 عاماً ولم تقم بأي خطوة إنمائية في حين تمكّن رياض سلامة بالتعاون مع النظام المصرف في لبنان من تأمين الرفاهية للبنانيين على مدى 30 عاماً.
ولو قامت الحكومات المتعاقبة بأي خطوات إصلاحية، وخصوصاً منذ مؤتمرات باريس-1 وباريس-2 وباريس-3 ومؤتمر “سيدر” وغيرها لما كنا وصلنا إلى الانهيار الذي تحاول المنظومة السياسية وفي طليعتها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تقديم رياض سلامة “كبش محرقة” عن كل الارتكابات التي قامت بها بدءًا من هدر أكثر من 50 مليار دولار في الكهرباء ومليارات السدود وغيرها وليس انتهاء بالتوظيف العشوائي لأكثر من 400 ألف موظف وإقرار سلسلة الرتب والرواتب من دون أن ننسى قرار حكومة حسان دياب بهدر 11 مليار دولار بعد الانهيار على الدعم الذي ذهب الى جيوب البعض في لبنان وسوريا، وغيرها من القرارات العشوائية والكارثية التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة بغطاء من المجالس النيابية المتعاقبة.