كتبت لارا يزبك في “المركزية”:
في موقف متقدم، يذهب الى مكمن الداء ويقارب السبب الحقيقي لكل الازمات التي يتخبط فيها لبنان اليوم، على حد ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في عظته خلال ترؤسه القداس الالهي تكريما لشهداء المقاومة اللبنانية في كنيسة سيدة ايليج، امس، الى انه “لولا استشهادهم لما كان لبنان في صيغته الحضاريّة، ولما كنّا هنا لبنانيّين أحرارًا، وأصحاب كرامة. أجل استشهدوا وماتوا لكي نحيا نحن، ولكن لكي نحيا بثمن دمائهم بالولاء للبنان وحده، الوطن النهائيّ لجميع أبنائة، وطن الولاء له دون سواه”.
اضاف: هناك مكوّنات تريد لبنان الكبير أرضًا شاغرة لمشاريعها، ومن دون دولة ونظام ودستور وقانون. تفضّله مساحة تُفرز عقاريًّا، لا وطنًا يضمّ وجدانيًّا. هناك فرق كبير بين الإعترافِ بلبنان والإيمان به. فالإعتراف هو أخذ العلم بوجود لبنان، بينما الإيمان هو أخذ لبنان بجوهره وهوّيته ونظامه وقيمه ورسالته. وهناك فارق بين معيار الولاء للبنان وما نتمثّل فيه: ففي الحالة الأولى إيمان مطلق بلبنان في ما يمثّل بحدّ ذاته، وفي الحالة الثانية حساب ربح وخسارة. وهذه بكل اسف حالتنا في لبنان. دافعنا جميعًا عن لبنان بمقدار ما نحن موجودون فيه، لا بمقدار ما هو موجود فينا. وحين كلّ مكوّن لبنانيّ بدأ يشعر أنّ لبنان هو لمكوّن آخر – وهذا منطق تقسيميّ وامتلاكيّ – لم يعد لبنان لأحد، فتوزّعت المكوّنات بقاياه كالغزاة الذين ينهبون بلدًا لا يملكونه ويضطهدون شعبًا اجتاحوه. أجل، إنّ اللبنانيّين يتعرّضون لغزو أسوأ من الإحتلال. هذه الحالة الغريبة والفريدة أضعفت إيمان اللبنانيّين بوطنهم.
تابع: بقاء لبنان رهن بتغيير المسار الإنحداريّ بانتخاب رئيس للجمهوريّة، يعود بنا إلى جوهر الشراكة الوطنيّة، واعتبار دولة لبنان الكبير هي المنطلق وهي مرجعيّة أي تطوّر وطنيّ. غريب الّا تعتبر الدولة اللبنانيّة ذكرى تأسيسها في أوّل أيلول 1920، عيدًا وطنيًّا. فأيّ تاريخ أعزُّ من هذا التاريخ؟ بدونه لا استقلال، ولا شراكة، ولا صيغة، ولا ديمقراطيّة. أليس تجاهُل هذا التاريخ تعبيرًا عن عَطَبٍ في الإعتراف به ونقصٍ في الإيمان”؟
لا ولاء للبنان اذا، بحسب الراعي، وهذا هو بالتحديد سبب البلاء الذي يصيب لبنان واللبنانيين. بعضهم بات يعتبره مجرد ساحة وهذا البعض لا ينتمي قلبا وقالبا الى لبنان بل ينظر اليه كمطية او مشاعا لتحقيق ارباح خاصة به او بالدول والانظمة التي ينتمي فعليا وفكريا وعقائديا اليها. هذا السلوك تضيف المصادر، يتناقض مع ميثاق عام ١٩٤٣ “لا شرق لا غرب” ويتناقض مع فكرة لبنان الكبير التي يفترض ان يجمع تحت اجنحته كل اللبنانيّين بكل طوائفهم وان يقبله هؤلاء اللبنانيون كوطن نهائي لهم. لكن ما يحصل اليوم يدل على ان ثمة شرائح ما عادت تريد لا الميثاق ولا لبنان الصيغة الذي ولد عام ١٩٢٠، في رأي الراعي، الذي غمز ايضا من قناة تواطؤ رسمي مع اصحاب هذا التوجه التقسيمي، من خلال عدم احتفالها بذكرى اعلان لبنان الكبير. فهل ثمة فعلا مَن لم يعد يريد لبنان الكبير ؟ وهل سيخرج هؤلاء ويعلنون جهارا عن مشروعهم البديل ؟