جاء في “الراي”:
مهما تنقّلتْ العدسةُ بين أحداثٍ «موصولةٍ» بحرب غزة، إلا أن العينَ تبقى على «أمّ الجبهات» في جنوب لبنان والتي باتت واقعياً تنتظر «تفعيلاً» من إسرائيل لقرارٍ أوحتْ بأنه اتُّخذ «بشنّ عملية واسعة وقوية» ولم يعُد يحتاج إلا لتحديد «ساعة الصفر» له ما لم «تُبْطِلْه» معجزةٌ بتحقيق اختراقٍ دبلوماسي محكومٍ باستحالتيْن متداخلتيْن: أوّلهما فصل هذه الجبهة عن حرب قطاع غزة المستمرّة وتالياً عن ترتيبات «اليوم التالي» أمنياً وسياسياً، وثانيهما معاندة «حزب الله» التسليم بشروطٍ و«نهائياتٍ» على أرض متحرّكة ومن «جانب واحد».
فرغم أن «رادار» الاهتمام اتّجه أمس إلى «طوفانِ» الحوثيين أي «صاروخ الـ 2000 كيلومتر وأكثر» الذي أصاب تل أبيب، فإنّ هذا الحَدث لم يكن ممكناً مقاربتُه من خارج سياق المناخ المتصاعد عن إعداد إسرائيل لنقْل «البارودة» إلى جبهة لبنان، وهو ما يقابله «تحشيد دبلوماسي» أميركي لفرْملته، الأكثر تعبيراً عنه الزيارة التي يقوم بها اليوم الموفد آموس هوكشتاين لتل أبيب، وسط عدم استبعاد أن يعرّج أيضاً على بيروت في إطار الحضّ على تجنُّب «فيضان النار».
واستوقف أوساط سياسية أن الصاروخ على تل أبيب، والذي جاء بعد نحو شهرين على الغارات الإسرائيلية على ميناء الحديدة والتي نُفذت رداً على هجوم لحركة «أنصارالله» بمسيّرة على المدينة نفسها، يشكّل ثاني «دخولٍ» للحوثيين على رقعة التحضيرات الإسرائيلية لإكمالِ «سياسة التوسع» العسكري وتعميقها على الجبهة الشمالية، بعد التقارير عن انتقالِ مجموعاتٍ منهم إلى سورية في سياق محاولة تقويض سيناريو يَجْري تداوله عن أن الجيش الإسرائيلي وفي أي توغُّلٍ بري في جنوب لبنان سيسعى إلى الالتفاف على مقاتلي «حزب الله» من الجولان السوري المحتلّ لعزْل جنوب الليطاني عن شماله بالتوازي مع محاولة تعطيل خط الإمداد للحزب من الأراضي السورية.
وفيما أعلن الحوثي «دخولَ المرحلةِ الخامسة من التصعيد والآتي أعظم»، فإن الأوساطَ اعتبرتْ أن هذا الأمر هو تعزيزٌ لـ «شدّ الحزام» بين ساحات محور الممانعة، ورفْدٌ لجبهة الجنوب بعنصرِ ضغطٍ إضافي مضادّ لِما تُعِدّ له إسرائيل للحزب، ويشكل عملياً خطّ دفاع هجومياً بحيث يجعل الحوثيين «يأخذون بصدرهم» ضربة مرتقبة من إسرائيل من شأنها تنفيس «ثورانهم العسكري» موقتاً، وفي الوقت نفسه توجيه رسالة بأن أي ارتدادٍ شامل على «حزب الله»، سيفعّل «وحدة الجبهات»، وهو ما لا يمكن للحزب المغامرة بأن يكون هو «صندوقة بريده» في ضوء عدم رغبته القاطعة، ومن خلْفه إيران، باستدراج الصِدام الكبير مع تل أبيب.
وإذ كان بارزاً تَوعّد بنيامين نتنياهو، الحوثيين بردٍّ موجع وكذلك بالتصدي لكلّ «من يهدد إسرائيل» واعداً بأن الوضع على جبهة الشمال لن يستمر كما هو والنازحون سيعودون، بالتوازي مع أبعاد مهمة اكتسبَها ما كُشف عن أن الجيش الإسرائيلي يجنّد عدداً من طالبي اللجوء الأفارقة للخدمة العسكرية في غزة مقابل إغراءات بمنحهم إقامة دائمة، ما يعني محاولةً للتكيف مع وضعية استنزاف طويلة وإكمالِ الجهوزية لنقْل الثِقل إلى جنوب لبنان، فإنّ تطوراً حمّال أوجه شهدته هذه الجبهة أمس، مع إلقاء منشورات فوق منطقة الوزاني تدعو الموجودين في هذه المنطقة وجوارها إلى إخلائها من السكان والنازحين السوريين.
وجاء في المنشور الإسرائيلي: «إلى جميع السكان والنازحين في منطقة مخيمات اللجوء، يُطلق حزب الله النيران من منطقتكم… عليكم ترك منازلكم فوراً والتوجه شمال منطقة الخيام حتى الساعة الـ4 مساءً وعدم الرجوع إلى هذه المنطقة حتى نهاية الحرب».
وأضاف: «مَن تواجد في هذه المنطقة بعد هذه الساعة، سيُعتبرُ عنصراً إرهابياً وستُستباح دماؤه. إن الجيش الإسرائيلي سيعمل بقوة للتأكد من إخلاء المنطقة من السكان».
وسريعاً «تبرأ» الجيش الإسرائيلي من المنشور، محمّلاً مسؤوليته إلى «سلوك فردي». وكشفت الإذاعة العسكرية أن «إلقاء منشورات جنوب لبنان جاء بمبادرة من اللواء 769 من دون موافقة القيادة العليا، وأن الجيش والمستوى السياسي لم يُوافقا على رمي المناشير».
وفيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن الجيش أن «لا أوامر بإخلاء منازل في جنوب لبنان ونحقق في إلقاء المنشورات»، وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أنّ «قائد لواء في الشمال وزّع على عاتقه البيانات»، توقفت وسائل إعلام عبرية أخرى عند ما كشفته المنشورات لجهة مخطط الجيش في كيفية تقسيمه قرى الجنوب في حال أقدم على هجوم بري، ناقلة عن القيادة العسكرية «تهور» الكتيبة ونْشرها خريطة عسكرية كان يجب أن تبقى غير معلنة.
في المقابل، لم تَستبعد بعض الدوائر أن تكون المنشورات والخريطة العسكرية، في إطار الحرب النفسية وعمليات الإلهاء والخداع، وإن كانت لم تُسْقِط أن الأمر ربما وقع في سياق الفوضى التي باتت تتحكّم بمستويات عسكرية وسياسية في ضوء الحرب «متعدّدة الجبهة» المستمرة والتي تدخل بعد 3 أسابيع سنتها الثانية.
وكانت جبهة لبنان شهدت في الساعات الـ 48 الماضية تكثيفاً من إسرائيل لهجماتها الجوية التي طاولت ليل السبت – الأحد بعلبك والهرمل، فيما أطلق «حزب الله» (في اليومين الماضيين) نحو 150 صاروخاً على شمال إسرائيل والجولان المحتل، وسط «استغاثةٍ» من رئيس بلديّة صفد، بأن «المدينة تنهار بعدما أصبحتْ هدفاً رئيسياً لهجمات حزب الله»، مؤكداً لصحيفة «يسرائيل هيوم» أنّ «الوضع الطبيعي في المدينة أصبح حال طوارئ متواصلة، وعلى الحكومة اتخاذ قرار».
وعلى وقع إعلان نائب الأمين لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم رداً على التهديدات الإسرائيلية «ليست لدينا خطة للمبادرة في حرب لأنَّنا لا نجدها ذات جدوى، ولكن إذا شنَّت إسرائيل الحرب فسنواجهها بالحرب وستكون الخسائر ضخمة بالنسبة إلينا وإليهم أيضاً (…) وإذا كانوا يعتقدون أنَّ هذه الحرب تعيد الـ100 ألف نازح» إلى شمال إسرائيل «فمن الآن نبشركم أعدّوا العدة لاستقبال مئات الآلاف الإضافية من النازحين»، وسعت إسرائيل نطاق استهدافاتها لما زعمت أنه مخازن أسلحة تابعة للحزب في البقاع وفي بعلبك داخل العمق اللبناني.
وبينما أعلنت وزارة الصحّة اللبنانية، إصابة أربعة جرحى في الغارة التي استهدفت محيط بلدة الكواخ شمال الهرمل بينهم ثلاثة أطفال، بالتوازي مع الغارة على سهل بلدة سرعين (بعلبك)، استمرت الاستهدافات لجنوب لبنان (وفي أحدها جُرح 4 أشخاص في العديسة) أمس، والتي قابلها الحزب بسلسلة عمليات ضد مواقع وتجمعات عسكرية.