جاء في “الراي الكويتية”:
إذا أردتَ أن تعرف ماذا سيحصل في لبنان عليكَ أن تعرف ماذا سَيَجْري في إسرائيل. هكذا بدا المشهدُ في بيروت أمس، ومنها، مع المناخات المثيرة، وأحياناً المتضاربة، التي لاحتْ من تل أبيب ومحورها الجبهة الشمالية (مع بلاد الأرز) في ضوء ارتفاع منسوب التلويح بأن تغيير الوضع عليها بالقوة لم يَعُد بعيداً.
ولم يكن عابراً أنه في الوقت الذي كان بنيامين نتنياهو يُجْري مشاوراتٍ مكثفةً حول الأوضاع على جبهة جنوب لبنان، مع تسريباتٍ عن «قرارات مهمة» قد تخلص إليها، قَفَزَ إلى الواجهةِ احتمالُ إقالة رئيس الحكومة الإسرائيلية وزيرَ دفاعه يواف غالانت وإشاعة أن خليفته جاهِز وهو رئيس حزب اليمين الوطني جدعون ساعر.
وفيما جاء نفي مكتب نتنياهو صحة «المنشورات المتعلقة بالمفاوضات مع ساعر» ملتبساً حيث لم ينفِ نياته بإزاء غالانت، فإنّ ما عنى لبنان من هذا الصراع الداخلي في إسرائيل أمران:
– أوّلهما أن وضْع إقالة غالانت على الطاولة والإيحاء بأن هذه الخطوة باتت وشيكة رُبطت في شكلٍ رئيسي بمعارضة وزير الدفاع توسيع العمليات العسكرية في لبنان واعتباره أن الوقت غير مناسب لمثل هذا الهجوم ورغبته في إعطاء فرصة لحل ديبلوماسي في الشمال واتفاق لوقف النار في غزة، رغم أن إقصاء غالانت رُبط أيضاً باعتبارات محلية بينها أنه «سيؤدي إلى تمرير قانون التجنيد بسلاسة مع إعفاء شامل للحريديم».
– وثانيهما أن التلويح بالإقالة، والذي ترافق مع مشاركة غالانت في المشاورات الأمنية التي جرت نهار أمس، تزامن مع زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لإسرائيل في إطار مساعي واشنطن لوضع «فرامل» لِما بدا استعجالاً من تل أبيب لتوسيع الحرب مع «حزب الله» ومحاولة فرْض وقائع في الميدان تحقق الفصل بين هذه الجبهة وحرب غزة «الطويلة» وتستجلب دخولاً أميركياً وغربياً طارئاً، في «الوقت القاتل» الفاصل عن 5 نوفمبر الأميركي، لاستيلاد ترتيباتٍ أمنية لجبهتها الشمالية بشروطها التي تتمحور حول منطقة عازلة أو آمنة بعمق ما بين 8 و 10 كيلومترات كمرحلة أولى جنوب الليطاني تكون خالية من سلاح الحزب ومسلّحيه وتتيح إعادة المستوطنين إلى منازلهم.
رسالة لواشنطن!
ولم تَستبعد أوساطٌ متابعة أن يكون التهديد بإقالة غالانت، الذي يُعتبر «امتداداً أميركياً» في حكومة نتنياهو، هو في إطار رسالةٍ لواشنطن والضغط عليها كي تتبنى أكثر شروط تل أبيب لـ «اليوم التالي» لبنانياً وأيضاً لتَمنحها هوامش أوسع للذهاب إلى حرب أشمل على قاعدة أن إعفاء وزير الدفاع الرافِض لهذا الخيار من منصبه سيعني جعْل نتنياهو طليق اليد في خياراته وقفْلَ الباب بالكامل أمام النصائح الأميركية بـ «كارثية» أي حرب أكبر مع «حزب الله».
وكان بارزاً أن تخيير غالانت بين الإقالة ووقف عرقلة الهجوم الأوسع المرتقب على جنوب لبنان، تزامَنَ مع تقارير عن أن هوكشتاين حَمَل معه هذه المرة إلى تل ابيب مقترحاً لإنجاز تَفاهُم حول الترسيم البري بين اسرائيل ولبنان، وتردَّد أنه ضمّنه صيغة تمرّ عبر مزارع شبعا المحتلة، وذلك مقابل ترتيب أمني لجبهة الشمال ينطلق من هواجس نتنياهو وشروطه، ولكن هذا الطرح لم يُقابل بإيجابية وسط نقْل هيئة البث الاسرائيلية أن مسؤولين اسرائيليين اعتبروه استفزازاً لأنه «يتضمّن تمرير الحدود عند موقع خيمة كان وضعها حزب الله في مناطق سيطرة إسرائيل (في مزارع شبعا)».
واستوقفت الأوساط عودة هوكشتاين إلى مسار الترسيم البري، هو الذي يُدْرك أن جواب «حزب الله» على أي أمرٍ أو مجرّد القبول ببحثه، لن يكون إلا بعد وقف النار في غزة، ما يعني حُكْماً أن ما يطرحه الموفد الأميركي يستحيل أن يكون المدخل لقفل جبهة الجنوب على قاعدة فصْلها عن حرب القطاع وما سيليها سياسياً وأمنياً.
وفي تقدير هذه الأوساط أن «المقايضة» التي يحاول هوكشتاين – الذي يسود ترقب حيال إمكان زيارته بيروت – إرساءها هي في إطار إكمال إعداد «اتفاق إطار» لِما بعد حرب الجنوب، وذلك على قاعدة أن التوصل إليه برضى الطرفين ولو «بالأحرف الأولى» سيتيح وَضْعهما، وخصوصاً إسرائيل، أمام واقعٍ يصبح معه التصعيد الشامل والباهظ التكلفة غير ذي جدوى بما أن ما بعده «جاهِز» و«منجَز»، وتالياً عودة التركيز على وقف حرب غزة كممرٍّ لتفادي «العاصفة الكاملة» العسكرية.
وفي حين سبق وصول هوكشتاين و«زوبعة»احتمال إقالة غالانت تأكيد الأخير أن احتمال التوصل لتسوية في الشمال مع لبنان يتلاشى «لأن حزب الله مستمر في ربط نفسه بحركة حماس»، وذلك خلال اتصال مع نظيره الأميركي لويد أوستن، لم يقلّ دلالةً على المناخات الخطيرة على جبهة الجنوب مضيّ إسرائيل في استعداداتها لحرب أكبر وما نُقل عن أن قائد القيادة الشمالية أوري غوردين يضغط لشن هجوم واسع في لبنان وأنه أوصى خلال جلسات مغلقة بالسماح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان مراهناً على أن «انخفاض نسبة السكان في قرى الجنوب إلى 20 في المئة سيسمح للجيش بتنفيذ هذه العملية ببساطة وسرعة أكثر وسيشكل رافعة ضغط على حزب الله من أجل التوصل إلى تسوية دائمة مقابل انسحاب الجيش من المنطقة».
في موازاة ذلك، كانت وزارة الدفاع الإسرائيلية تعلن أنها انتهت من إعادة تجهيز 97 غرفة طوارئ في بلدات الحدود الشمالية، وأن «إدارة المشتريات الدفاعية ستقوم بشراء ما يقرب 9000 قطعة سلاح من طراز عراد بقيمة تبلغ نحو 50 مليون شيكل جديد لصفوف الاحتياط في كل أنحاء البلاد».
وفي مقابل الصخب الدبلوماسي والسياسي و«التحضيري» داخل اسرائيل، شهد الميدان نهاراً تطوراتٍ عسكريةً بدت أقلّ وتيرة نسبياً، وهو ما عَكَسَ مخاوف من أن يكون الأمر على طريقة «تهدئة ما قبل التصعيد» أو استراحة «بين عاصفتين».
وفي حين نفّذت إسرائيل عدداً من الغارات على بلدات جنوبية أبرزها على حولا حيث سقط عنصر من «حزب الله» وجُرح 4 أشخاص، وردّ الحزب بعمليات ضد تجمعات ومواقع عسكرية، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية إصابة مسعفيْن من الدفاع المدني – كشافة الرسالة بجروح طفيفة«لدى استهداف العدو الإسرائيلي لفريقهم بقذيفة هاون فيما كان الفريق يقوم بواجبه الانساني لتفقد آثار الغارة التي كان شنّها على بلدة طيرحرفا».