Site icon IMLebanon

غزة تُعيد رسم خرائط المنطقة سياسياً

كتب المحامي زكريا الغول في “اللواء”: 

التأثيرات السياسية على المنطقة
بعد اندلاع حرب غزة، أصبحت الديناميكيات السياسية في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً. إن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي طويل الأمد ويشكّل واحداً من أهم المحاور التي تحدد السياسات الإقليمية. ولكن الأحداث الأخيرة أضافت أبعاداً جديدة للصراع، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية والإقليمية.

فقد شهدت الحرب تصاعداً في الدور الإيراني في دعم الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي)، مما أدّى إلى زيادة في حدة الصراع والتوتر بين إيران وإسرائيل، ولكن في الوقت نفسه عزّز من علاقات إيران مع الدول العربية والإسلامية، معطوفاً على التقارب السعودي – الإيراني عقب اتفاق بكين. هذا الصراع يعكس التنافس الجيوسياسي بين إيران وإسرائيل والذي يؤثر بشكل كبير على استقرار المنطقة. إضافةً إلى ذلك، زادت الولايات المتحدة من انخراطها في هذا الصراع، مما يعزز تأثيرها على رسم ملامح المنطقة.

من ناحية أخرى، عززت بعض الدول العربية مثل مصر وقطر دورها كوسطاء في تهدئة الصراع، مما يتيح لها زيادة تأثيرها في السياسة الإقليمية، وكذلك تحسين علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، مع الحفاظ على دعمها للقضية الفلسطينية.

التغيّرات في التحالفات الإقليمية
لعبت حرب غزة دوراً في إعادة رسم التحالفات الإقليمية. على الرغم من محاولات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، فإن هذه الحرب أثارت تساؤلات حول مدى استدامة هذه التحالفات. على سبيل المثال، رغم استمرار العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول الموقعة على اتفاقيات التطبيع، شهدت هذه العلاقات توتراً خلال الحرب نتيجة الضغط الشعبي على الحكومات العربية لدعم الفلسطينيين.

في المقابل، عززت الحرب علاقات بعض الفصائل الفلسطينية مع إيران وتركيا. إيران دعمت الفصائل الفلسطينية سياسياً وعسكرياً، ما عزز موقعها كداعم رئيسي لهذه الفصائل، من ناحية أخرى، سعت تركيا إلى تعزيز دورها الإقليمي في الصراع.

هذه التحالفات الجديدة والقديمة تسهم في تشكيل مشهد سياسي متغير باستمرار، حيث تتنافس القوى الكبرى والإقليمية على النفوذ والسيطرة في المنطقة،

وذلك في ظل تحديات متعددة تشمل النزاعات الطائفية والجيوسياسية، بالإضافة إلى التدخلات الدولية.
التأثير على الفلسطينيين وإسرائيل

من أبرز نتائج حرب غزة على الفلسطينيين هو تسليط الضوء على عمق الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. رغم أن الصراع مع إسرائيل يعتبر العامل الموحّد للفلسطينيين، إلّا أن الخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية حول إدارة الأراضي الفلسطينية والاستراتيجية السياسية تجاه إسرائيل أصبحت

أكثر وضوحاً بعد الحرب.
من جانب آخر، تعاني إسرائيل من تحديات داخلية وخارجية بعد الحرب. داخلياً، زاد الجدل حول إدارة الحكومة الإسرائيلية للصراع ومدى فعالية السياسات العسكرية في تحقيق الأمن. أما خارجياً، فإن إسرائيل تواجه تحدّياً متزايداً في الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع بعض الدول التي تأثرت شعوبها بالصور والمعلومات حول معاناة المدنيين في غزة.

الدور الدولي في المنطقة
أدّت حرب غزة إلى زيادة الانخراط الدولي في الشرق الأوسط، حيث زادت الولايات المتحدة من دعمها لإسرائيل وأكدت التزامها بأمنها، ولكن في الوقت نفسه تعرّضت لانتقادات من بعض الأطراف الدولية بسبب موقفها من الحرب. على الجانب الآخر، حاول الاتحاد الأوروبي لعب دور أكبر في الوساطة، إلا أن دوره ظل محدوداً بالمقارنة مع الولايات المتحدة.

مع الإشارة الى عامل مؤثر برز وهو عودة الحديث عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية بعد سنوات من النسيان، وظهور معطى جديد تمثل باعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين.

روسيا والصين، من ناحيتهما، تسعيان أيضاً إلى توسيع نفوذهما في المنطقة. فروسيا، التي لها حضور عسكري في سوريا، ترى في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي فرصة لتعزيز دورها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط. لكن تبين بعد مرور عام تقريباً على اندلاع الحرب ان روسيا لم تستطع لعب دور مؤثر في الصراع القائم، وقد يكون مرد ذلك الى انشغالها بالحرب القائمة مع أوكرانيا، بينما تقدم الصين نفسها كقوة اقتصادية ودبلوماسية تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، مع التركيز على تعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع دول المنطقة، دون ان تبادر الى القيام بدور سياسي يتناسب مع حجمها الاقتصادي.
ترسم حرب غزة الأخيرة ملامح جديدة لخريطة القوى في الشرق الأوسط. وتؤثر بشكل كبير على التحالفات الإقليمية والدولية، وتعزز من دور بعض الدول وتضعف دول أخرى. هذه الحرب ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي نقطة تحول في العلاقات الإقليمية والدولية، وقد تؤدي الى إعادة التفكير في دور كل من إسرائيل، فلسطين، وإيران، والدول العربية، في المشهد السياسي المعقد للشرق الأوسط.