IMLebanon

الهدنة مؤجَّلة.. بيروت رحّبت ونتنياهو رَفَض و”الحزب” صمت

جاء في “الراي الكويتية”:

على طريقِ غزة يسير لبنان في مسارِ «التفاوض تحت النار» الذي بدأ على وقفٍ للنار بين إسرائيل و«حزب الله»، وعلى طريقة غزة يشتعل الميدانُ بآلاف من غاراتٍ متوحّشةٍ «تنقضّ» على أبنيةٍ سكنيةٍ بمَن فيها مخلّفةً مآسي تحت الأنقاض التي تضجّ بموتٍ حَصَدَ (منذ الاثنين) مئات الضحايا وآلاف الجرحى.

هكذا بدا لبنان الذي عَلِق في شِباك «طوفان الأقصى» منذ أن فتح «حزب الله» في 8 تشرين الاول جبهةَ المشاغَلةِ من الجنوب، وتَعَمَّقَ تَوَرّطه في حرب القطاع مع رفْع الحزب شعار «لا تحلَموا بفصْل الجبهتين» ثم بدء «كابوس» حرب لبنان الثالثة مع إطلاق إسرائيل يوم الاثنين، «سهام الشمال» لمحاولة فرْضِ فَكِّ المساريْن أو استدراجِ حلٍّ بالقوة والتَوازي يرسّم «اليوم التالي» عليهما معاً.

فدعوةُ «العالم» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف إطلاق نارٍ فوري لمدة 21 يوماً على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية «إفساحاً في المجال أمام إبرام تسوية دبلوماسية تتماشى مع القرار 1701 وتنفيذِ القرار 2735 بشأن وقف النار في غزة»، سرعان ما استُحضرت معها كل «المناورات» التي رافقتْ أشهراً طويلة من محاولات بلوغ هدنةٍ في القطاع ما زالتْ تستجرّ حتى الساعة… من مناخاتِ «الشيء وعكْسه» في تل أبيب قبل إعلاء الرفْض لمنْحِ «حزب الله» فرصة «التقاط الأنفاس»، إلى ترحيبٍ لبناني رسمي «كلامي» و«صمتٍ» من الحزب أقرب إلى الـ «لا» لطَرْحٍ يوقف النار جنوباً كتمهيدٍ لإطلاق البحث حول تسوية نهائية أو طويلة الأَجَل ويعيد هدنةَ القطاعِ إلى سكة مفاوضاتها الشاقة والشائكة على اتفاقٍ مُمَرْحَل.

وبـ «الدليل الملموس» و«النار» سقطتْ «المحاولةُ الأولى» لوْقف النار على جبهة الجنوب… تحت ركام الغارة التي استهدفت بعد ظهر أمس، قائد الوحدة الجوية (المسيّرات) في «حزب الله» محمد حسين سرور (أبوصالح) الذي أصيب بجروح بالغة جراء غارة نفّذها الطيران الحربي قرب مسجد القائم في الضاحية الجنوبية لبيروت على بُعد مئات الأمتار من مكان الاغتيال الجماعي لقادة «وحدة الرضوان» يوم الجمعة الماضي، وعلى وهج استئناف الطيران الإسرائيلي ضرباته الساحقة في جنوب لبنان والبقاع وصولاً إلى معابر برية على الحدود مع سورية، ومدينة زحلة (ذات الغالبية المسيحية) التي استهدفها للمرة الأولى وكذلك الكحالة (قضاء عاليه) التي تعرّضت لأول غارة بمسيّرة على سيارةٍ أدت إلى إصابة شخصٍ (ينتمي لحزب الله) وهي المنطقة ذات الغالبية المسيحية، بالتوازي مع زخاتٍ بمئات الصواريخ من «حزب الله» على مستوطٍنات في الشمال وصولاً إلى خليج حيفا وصفد وعكا.

«التفاوض تحت النار»
وأعربت أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت عن الخشية من أن يتحوّل الميدان الذي تُوِسِّعُ إسرائيل ضرباتها فيه بشكل متدرّج ملعباً لـ «التفاوض تحت النار» على جبهة لبنان وعلى النسَق الذي تعتمده إسرائيل في غزة، وذلك في مسعى لانتزاع المزيد من المكاسب على الأرض عبر تقويض قدرات الحزب على كل المستويات، وهو ما تَعتبر أنه سيكون بمثابة «الضمانة العسكرية» لأي وقف نار يوصل إلى وَضْعِ مراسيم تطبيقية للقرار 1701 وتالياً جعل جنوب الليطاني منطقة خالية من الحزب وسلاحه ومسلّحيه.

ورغم أن البيان الذي صدر عن الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات وقطر، ودعا لوقف النار الفوري، حاول أن يوفّق بين مطالب تل أبيب، التي تصرّ على قَفْلِ جبهة الجنوب، و«حزب الله» الذي يرفض فصْلها عن غزة من خارج إنهاءٍ للقتال في القطاع، وذلك عبر صياغةٍ ركّزت على وقف نارٍ (موقت) يوازيه استئنافُ مساعي بلوغ تسوية في غزة، إلا أن نتنياهو رفض السير بهذا الطرح الذي سيَستأنف عرّابوه محاولات تدوير زواياه في نسخ جديدة «تدور» على عواصم وعلى الأطراف المعنيين مباشرة به.

مناخان متناقضان
وكان بارزاً في المقلب الإسرائيلي «مناخان» متناقضان حيال طرح وقف النار: الأول نهاراً حيث كشف مصدر في مكتب نتنياهو، إعطاء الضوء الأخضر للتفاوض وأن رئيس الوزراء أصدر أوامر بتهدئة الهجمات، قبل أن يؤكد بيان عن المكتب «أن الأوامر الصادرة عن نتنياهو شددت على مواصلة القتال في الشمال بقوة، وأن رد تل أبيب لم يصدر بعد في ما يتعلق بالاقتراحات الأميركية الفرنسية حول وقف النار الموقت. أما في ما يتعلق بقطاع غزة، فالقتال سيستمر حتى تحقيق أهداف الحرب التي تشنّها إسرائيل».

وفيما شكّل الشقُّ المتعلق بغزة ما يشبه «العبوة» التي زُرعت في طريق المقترح حول لبنان، باعتبار أنها بمثابة «دعوة» للحزب لرفضٍ فوري للمقترح والظهور بمظهر مَن يستدرج استمرارَ القتال على جبهة الجنوب، عاد نتنياهو عصراً وقبيل وصوله إلى نيويورك ولدى وصوله، ليُعْلي صوت الرفض معلناً «سنُواصل ضرب حزب الله بكل قوّة، والهدف من استمرار العمليّات ضدّ الحزب هو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم».

وفي وقت نقلت وكالة «رويترز»، أن إسرائيل ترفض اقتراح وقف النار المدعوم أميركياً، أوردت إذاعة الجيش أن وزير الدفاع يوآف غالانت «صادق على مواصلة العمليات الهجومية في الجبهة الشمالية»، مؤكداً «سنعمّق محنة حزب الله»، بينما نقلت قناة lbci اللبنانية عن مصدر دبلوماسي عربي مطلع على مسار المفاوضات «ان وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر أبلغ آموس هوكشتاين أن إسرائيل مستمرة في حربها في لبنان ولن توافق على المقترحات المقدمة».

وفي خلفيات رفض إسرائيل المقترح الدولي – العربي، برز «إجماع» داخلي على عدم منْح «حزب الله» أي فرصة لمعاودة «استجماع قواه»، وسط دعواتٍ للمضي في الحرب حتى «النصر المطلق»، مع مفارقة أن الاعتراض على الهدنة لم يأت فقط من الوزراء المتطرفين مثل وزير الخارجية يسرائيل كاتس الذي أكد «ضرورة سحق الحزب، وعدم إعطائه المجال لإعادة بناء قواه»، ولا وزير المال بتسلئيل سموتريتش ولا ايتمار بن غفير، الذي أعلن «عندما يكون عدوك على ركبتيه، فلا تسمح له بالتعافي، بل تعمل على هزيمته»، مع تهديدٍ بسحب حزبه من الحكومة، إذ برزت أصواتٌ من المعارضة رفضت السير بوقف النار لـ 21 يوماً واقترحت أن يكون فقط لـ 7 أيام (يائير لابيد)، كما سُجّل اعتراض حتى من داخل حزب الليكود، وصولاً لأعضاء في الكنيست لوّحوا بعدم التصويت مع الموازنة في حال قبول المهادنة.

وفي هذا الوقت كان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يعلن «أن دول العالم بما في ذلك كبرى الدول العربية ومجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي ترغب في وقف الأعمال القتالية»، بالتوازي مع تحذير وزير الدفاع لويد اوستن من «أننا نواجه الآن خطر اندلاع حرب شاملة قد تكون مدمّرة لإسرائيل ولبنان».

وإذ كانت قطر تعلن «ان الحديث عن وساطة بين إسرائيل وحزب الله مبكر»، وسط ترقب وصول وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى بيروت في الأيام المقبلة، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي القيام «بكل ما يلزم لحماية لبنان… ما ينبغي القيام به قمنا به، أما الباقي فليس في أيدينا».

وكانت تقارير نقلت أن ميقاتي وقَّع على مقترح اتفاق وقف النار بعد لقائه بلينكن وهوكشتاين، لينفي ذلك، ويعلن «أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق».

الجحيم على حاله
ومع تهاوي آمال بلوغ وقف نار وشيك وتسجيل مزيد من موجات النزوح وبينها عبور نحو 31 ألف شخص الى سورية خلال يومين، تتصاعد الخشية من منحى أكثر شراسة في المواجهات، كان حذّر منها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن لمناقشة الأوضاع الأمنية في لبنان، إذ شدد على وجوب التوصل لاتفاق لوقف النار، معتبراً أن «التصعيد الراهن بين إسرائيل وحزب الله يفتح أبواب الجحيم في لبنان».

وهذا الجحيم لاحَت المزيد من فصوله مع استمرار الغارات التدميرية في عموم الجنوب مع تركُّزها نهاراً على قضاء صور، قبل أن تتمدّد إلى الضاحية الجنوبية والكحالة، وصولاً إلى الحدود مع سورية شرقاً حيث تم استهداف 8 نقاط عبور ادعى الجيش الإسرائيلي أنها تُستخدم لنقل السلاح إلى «حزب الله»، وليس انتهاءً بمناطق واسعة من البقاع خصوصاً بعلبك ومحيطها الذي كان شهد بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس ضربات هستيرية أوقعت عشرات الضحايا ومئات الجرحى، وسط تقارير عن عائلات بأكملها تحت الأنقاض، وتسجيل مجزرة في بلدة يونين حيث قضى على الأقل 23 سورياً غالبيتهم من النساء والأطفال في غارة على مبنى من 3 طبقات.

كما سقط 4 ضحايا وسبعة جرحى في استهداف منزل مأهول لعائلة من آل زعيتر في بلدة شعث، حيث قضى الجد والجدة وحفيداهما، فيما قُتلت عائلتان بأكملهما في منطقتي الكرك (قرب زحلة) وشعث، حيث لقي 10 أفراد من عائلة واحدة حتفهم في الكرك.