كتب منير الربيع في “المدن”:
إنه سيناريو غزّة المتكرر. يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادته في لبنان. تصعيد عسكري عبر الحملة الجوية وتوسيعها. تترافق مع زيادة التحشيدات العسكرية البرية وإجراء مناورات كثيرة تحاكي القتال البرّي في لبنان. في مقابل مواقف سياسية متضاربة حول استعداده للتفاوض حول حلّ ديبلوماسي. كل هذه الآليات اتبعها في غزّة من قبل. ولا يزال يقدّم نفسه كمدافع عن الغرب ضد المحور الإيراني. يحاول في ذلك الالتفاف على كل الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ومنع التصعيد.
صور نتنياهو ووجوهه
يستند نتنياهو على مقومات كثيرة لخوضه معركة لبنان وتوسيعها. أولها، لا يزال الرجل يستند على الدعم الأميركي، وآخر تطوراته تقديم مبلغ 8 مليار دولار لتعزيز دفاعاته العسكرية والجوية. ثانيها، توافق غالبية الوزراء في حكومته على ضرورة استكمال الحرب وتوسيعها ضد حزب الله. ثالثها، ارتكازه إلى موقف المعارضة الإسرائيلية التي أيضاً تؤيد الحرب على لبنان. رابعها، ما تشير إليه استطلاعات الرأي داخل إسرائيل، أي أن 66 بالمئة من المستطلعين تؤيد استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها.
يقدّم نتنياهو أكثر من وجه وصورة. يحاول تصوير نفسه بأنه مستهدف من دول ومحور. وفي صورة أخرى يقدّم نفسه مدافعاً عن الغرب وعن الولايات المتحدة الأميركية. في الداخل الإسرائيلي يصوّر نفسه كبطل سياسي وعسكري يحقق ما عجز الكثيرون عن تحقيقه من قبل. وفي الوقت نفسه يحاول التلاعب بصورته التفاوضية عبر إطلاق مواقف متناقضة تارة يؤيد المفاوضات والحل الديبلوماسي، وطوراً يلجأ إلى الانقلاب على مواقفه، ويعتمد أسلوب التصعيد العسكري. في موازاة الحديث عن التفاوض، يخرج وزير الخارجية الإسرائيلي للإعلان عن الاستمرار في الحرب “حتى النصر”. وهو الشخص الأقرب لنتنياهو. يسرائيل كاتس هو الصورة الأكثر وضوحاً عن نتنياهو الحقيقي.
رفض الهدنة
عملياً، كل المؤشرات تفيد بأن المعركة مستمرة وقابلة لأن تطول. هناك شكوك كبيرة في قدرة التأثير الأميركي على تغيير الموقف الإسرائيلي. في المقابل، هناك إصرار فرنسي على تحقيق وقف إطلاق النار، ولكن حسب ما تنقل مصادر ديبلوماسية عن الإسرائيليين، فإن تقييمهم سلبي جداً للدور الفرنسي، ويعتبرون أن باريس لا تراعي المصالح الاستراتيجية لإسرائيل، ولا يمكن التعاون والتجاوب معها. حتى فكرة الهدنة المؤقتة التي تستمر لثلاثة أسابيع، يرى فيها الإسرائيليون فرصة لحزب الله كي يعيد تنظيم صفوفه وتعزيزها، وهو مرفوض إسرائيلياً. تنقل المصادر الديبلوماسية أيضاً أن نتنياهو كان قد وافق على فكرة الهدنة المقترحة، لكن وزراء داخل حكومته رفضوا، وكذلك التقييمات العسكرية لدى الجيش الإسرائيلي. وهو ما دفعه إلى التراجع. هنا تتعدد التقييمات حول مواقف الإسرائيليين وخطواتهم، بين من يعتبر أنهم أصبحوا في حالة اندفاع بلا مكابح، أو أنهم في حالة استشعار تحقيق انجازات عسكرية من خلال الضربات التي وجهوها وعمليات الاغتيال التي نفذوها. ولذا، لا يمكن التراجع حالياً. في هذا السياق، تشير المصادر إلى أن إسرائيل لا تزال ماضية في عملياتها لتحقيق بنك أهداف جوي واسع، من دون إغفال مسألة التلويح بالاجتياح البرّي.
دروس الحروب السابقة
في التقارير والتسريبات الإسرائيلية يتضح أن نتنياهو يحاول تجميع دروس وخلاصات من حروب عديدة، أبرزها حرب غزة، وحروب 2006، 1982، و1978، إنها حرب يمكن أن تكون مفتوحة وهي بلا أفق حتى الآن، وتختلف عن سابقاتها في ظل المتغيرات على مستوى الموقف الدولي. ففي العام 2006 قال الأميركيون للإسرائيليين إنه تم منحهم الوقت الكافي لتحقيق أهدافهم ولكنهم لم ينجحوا، ويجب وقف الحرب. حالياً تختلف الوقائع ولا يبدو أن الأميركيين في وارد الضغط الكبير والجدّي على نتنياهو لوقف الحرب. ولا أحد يضمن اقتناع نتنياهو في الاستجابة للضغط الأميركي في ظل ما يراه ضعفاً لدى إدارة جو بايدن، وأنه لا يريد منحه أي هدية أو فرصة في ظل الانتخابات.
يعتمد نتنياهو بمساعدة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة على استدراج الأميركيين إلى الاقتناع بأهمية عملياته، إما من خلال استهداف أشخاص مطلوبين للولايات المتحدة، أو من خلال التركيز في الإعلام والدوائر السياسية الأميركية على التذكير في تفجيرات المارينز والسفارة الأميركية التي نفذها حزب الله في بيروت عام 1983.