“جاء في اللواء”:
بتوقيت مماثل لتوقيت اغتيالات سابقة، هاجمت طائرة عسكرية مقاتلة من طراز (أف- 35)، وهي أحدث طراز حربي مدمّر، سواءٌ على صعيد الحمولة 2000 طن (زنة القنبلة)، إنفاذاً لقرار موقع من رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبإشراف مباشر وقيادة عملانية من وزير الدفاع يوآف غالانت، وعند الرابعة إلَّا ربعاً من عصر يوم الجمعة، وفي الوقت الذي كان فيه نتنياهو وصل إلى نيويورك، مقرّ قيادة حزب لله في حارة حريك، بعد دقائق أو ثوانٍ من وصول الأمين العام لحزب لله السيد حسن نصر لله إلى هناك..
على الرغم من الغموض الذي أحاط بالعدوان الجوّي الذي دمر الطبقات تحت الأرض، وحوَّل عدداً من الأبنية إلى دمار، حول مصير «قائد المقاومة» أو الحلقة الكبرى والأخيرة، في سلسلة حلقات قيادية، جرى فكفكتها على مدى سنوات، عبر اغتيالات متكررة، وبظروف مختلفة، بدا واضحاً أن العدو الاسرائيلي، الذي كشفت وسائل اعلامه المكتوبة والمرئية، فضلاً عن مواقعه أن المستهدف هو السيد نصر لله، وأن المؤشرات القوية تشير إلى سقوطه شهيداً..
تأكدت عملية الاغتيال لواحد من أقدر الشخصيات المقاومة بتاريخ الحروب العربية – الإسرائيلية، والصراع المفتوح مع اسرائيل، قبل قيامها وبعد قيامها، وخلال عقودها السبعة ونيّف.. فكان نكبة للمقاومة، ومأتماً للبيئة الحاضنة، وصدمة لدى كل اللبنانيين، كُلٌّ من موقع انتمائه، ونظرته إلى الصراع الدائر في المنطقة، والنظرة إلى كيفية التعامل مع إسرائيل، بوصفها قوة احتلال واغتصاب، وخطر على مصير الأرض العربية والشعوب العربية، بعيداً عن الحسابات والفرضيات والنظريات على اختلافها في ما خص موقع اسرائيل ودورها في تأبيب شعوب المنطقة، والمضي قدماً في قهرها.
في اسرائيل، لم يعرف نتنياهو كيف يعبّر عن نشوته، باغتيال «قائد المقاومة» في لبنان، والمحرّك الأبرز لمحور نصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة والضفة الغربية والقدس..
قطع نتنياهو وعاد، ليمضي العدو بقصف الضاحية الجنوبية، حيث سجّل لعدوانه 82 غارة جوية منذ مساء الجمعة،، حتى منتصف ليل السبت، وفقاً خارطة استهدافات توزعت جغرافيا على الأحياء، في محاولة لتكريس حالة من الفوضى وفقدان السيطرة، والقيادة، في ظل حزن غير مسبوق، وحسابات لم تعد ننظر إلى الحرب وفقاً للمعادلات، بل طغى عليها استيعاب الصدمة، وعدم ترك العدو يبني حسابات صحيحة أو خاطئة في ما خص المستقبل.
كان الاجتماع الذي أتى «السيد» لحضوره مع قائد في الحرس الثوري، لبحث كيفية الرد على تمادي دولة الاحتلال في استباحة كل شيء، كل الممنوعات والمحرمات، والخطوط الحمر بكل درجاتها ومستوياتها، ولكن حجم «الغدر والتآمر» (بصرف النظر عن الخرق المعادي لدى فريق المحور) وكيف، وإلى أي حدّ، وبأيّ مستوى.. لكن حصل ما كان بالحسبان، ولم يكن بالحسبان.. ذلك، لأن خطر الاستهداف قائم في أي وقت، لكن التوقيت بدا مستبعداً عند فريق المقاومة.. فحدث ما حدث..
والآن، ماذا بعد؟
مما لا شك فيه، أن المقاومة مع السيد حسن نصر لله، بعقله الكبير، وإطلالته الجماهيرية، وقدرته على التأثير ايجابياً في بيئة حزب لله، وسلباً في بيئة العدو، على المستوى النفسي والحرب الدعائية، وفضح ما لديه على غير صعيد، هي غيرها بعده..
فالأحداث الكبرى في التاريخ، قد تسير بمعزل عن العواطف والنيات النبيلة أو غير النبيلة، لكنها ترتب على هذا النحو أو ذاك بالشخصيات الصانعة لهذه الأحداث، واللاعبة على المسرح التاريخي..
حسن نصر لله، واحد من هؤلاء، الذين طبعوا مرحلة كاملة، وتركوا بصمات حفرت في مجريات هذه المرحلة، سواءٌ على مستوى التحدي، أو المشاركة في الحياة السياسية، أو بناء التحالفات، أو إدارة الخلافات، بما تتضمن أيضاً من نجاحات وإخفاقات..
ويتكرر السؤال ماذا بعد؟
المسألة، هنا، في معرض الإجابة لا تتعلق بالرغبات، بل بالقدرات وموازين القوى، لجهة جبهة المحور، التي كان نصر لله لاعباً، باعتراف عدوه في تحريك قدراته، وتحديد خطواته في المواجهة الكبرى، منذ أن بدأ حزب لله عمليات مقاومة الاحتلال الاسرائيلي للبنان منذ العام 1982.. عام ولادته، وكان «السيد» واحداً من تسعة شخصيات، كونت عملية التأسيس والإنطلاق..
اسرائيل ماضية في مخطط بالغ الخطورة العودة الى انظمة الاحتلال بالقوة العسكرية، فغزة عادت لتدخل في مشروع الدولة اليهودية الكبرى، إلى جانب الضفة الغربية والجولان.. وربما شريط من جنوب لبنان، وعليه، فالمقاومة ماضية في عملياتها وضرباتها بانتظار الإنتهاء من مراسيم تشييع جنازة السيد نصرلله، وإعادة بناء مؤسسات الحزب القتالية، من الأمانة العامة إلى المجلس الجهادي، وقادة الوحدات، مع توسع قدرات الحزب، لجهة القوى الصاروخية والجوية، والقنابل، والأسلحة والذخائر والقذائف، وصواريخ أرض- جو..
ومع ذلك، فالرد على اغتيال نصر لله، مسار طويل من المواجهة، من شأنها إعادة رسم كل الوقائع في لبنان، والشرق الأوسط..
نتنياهو واليمين المتطرّف، قرَّروا أن التعامل مع العرب والفلسطينيين، واللبنانيين هو «القوة القاتلة» بكل الأساليب المتاحة..
ومن الخطأ الرهان على دور دبلوماسي من هنا، أو من هناك.. فالمسألة مسألة قوة، وإدارة صراع، بالفعل والحسابات وليس فقط بالاستعداد للتضحيات والشهادة!