قرار إيران بالتصعيد
التقط الإيرانيون المسعى الإسرائيلي وكلام الإسرائيليين المتكرر حول ضرب “رأس الأخطبوط” بدلاً من أذرعه. في أحد اجتماعات مجلس الأمن القومي الإيراني قبل أيام، كان اتجاه مرشد الجمهورية والحرس الثوري يركز على ضرورة اتخاذ قرار بالتصعيد ضد إسرائيل وإشعال جبهات متعددة ضدها، رداً على كل التمادي وكل الاستهدافات، ولتخويف الأميركيين من حرب إقليمية. اتخذ الإيرانيون قرار الردّ والتصعيد “لتفادي المزيد من التصعيد”. وهي قاعدة كان قد عمل بموجبها حزب الله سابقاً، لكنها لم تؤدي إلى النتيجة المطلوبة.
وصل الإيرانيون إلى قناعة بأنهم في حال لم ينفذوا الهجوم وردّ الاعتبار فإن الضربة الإسرائيلية ستأتيهم. قرأوا باغتيال نصرالله إشارة مباشرة إلى التمهيد لضربات أكبر. لذا قرروا توجيه ضربة أكثر قوة وإصابة، من ضربة منتصف نيسان الفائت.
بعض المعلومات التي تسّربت من طهران تشير إلى إخطار الأميركيين والروس بالضربة. فتم إبلاغ الإسرائيليين الذين يحضّرون للردّ. ولكن من غير المعروف إذا كان الردّ سيدفع إلى ردود متوالية تتدرج صعوداً نحو حرب إقليمية، أم ستعيد تصفير الحساب بين طهران وتل أبيب مقابل استئناف الإسرائيليين لعمليتهم العسكرية في لبنان والتفرغ له. علماً أن في لبنان وطهران وجهة نظر تعتبر أن الحرب لن تتوقف إلا بإلحاق أذى كبير بإسرائيل.
العملية البرّية
إنها الحرب التي يريدها نتنياهو المدعوم أميركياً لتغيير وجه الشرق الأوسط. والآن، تدخل مساراً جديداً هو المسار البرّي في لبنان، وسط طرح سيناريوهات متعددة لمدى وكيفية هذا الاجتياح.
حسب ما تشير معطيات ديبلوماسية، فإن تل أبيب حصلت على الضوء الأخضر الأميركي في تنفيذ العملية لتحقيق أهدافها. أما كل الكلام عن عملية محدودة بكيلومترات ضئيلة فهو غير دقيق وغير حقيقي، لأنه لا أحد يعلم إلى أين سيصل الإسرائيليون، خصوصاً أن مجمل تحذيراتهم لسكان الجنوب تطالبهم بالخروج إلى شمال نهر الأولي. بعض المصادر الديبلوماسية الغربية تتحدث عن اتخاذ قرار كبير في تطويق إيران وإضعاف كل حلفائها عسكرياً.
بعض المعطيات والمؤشرات حول السيناريوهات العسكرية كان لبنان قد تبلغها مسبقاً، بينما عمل الإسرائيليون على مناقشة بعض الخطط مع الأميركيين، بما فيها السعي إلى فصل جغرافيا جنوب لبنان عن جنوب سوريا. ما يعني أن جزءاً من الأراضي السورية سيكون ساحة للمعركة.
خطة التوغّل
بالنسبة إلى التوغل البرّي الإسرائيلي، فله ثلاثة احتمالات. الأول، هو الدخول من القطاع الغربي أو الأوسط بشكل مباشر، لكنه السيناريو الأكثر ضعفاً. الثاني، هو الدخول من جهة الوزاني إلى مرجعيون وبعض القرى التي يعتبرها الإسرائيليون لا تتمتع ببنية عسكرية وقتالية كبيرة. والثالث، هو الدخول من القطاع الشرقي وما بين مزارع شبعا امتداداً من الجولان السوري وعبور بعض الأراضي السورية باتجاه البقاع الغربي، مع تنفيذ إنزالات باتجاه منطقة مثلث كفرحونة، للوصول إلى نقاط وجبال مرتفعة جداً، قادرة على كشف الجنوب والبقاع وإسرائيل. مثل هذه الجبال، ما يعرف بـ”تومات نيحا” و”جبل صافي”. وبذلك يكون الإسرائيليون قد عملوا على محاصرة الجنوب من البر لجهة الشرق، والشمال، في مقابل محاصرته من البحر من خلال البوارج. لا يمكن إغفال مسألة المناورات في العملية العسكرية التي يعتمدها الإسرائيليون، للإشغال وتشتيت القوى العسكرية لحزب الله.
استعدادات الحزب
بالنسبة إلى حزب الله، فتؤكد المصادر القريبة منه أنه على أتم الجهوزية الكاملة لمواجهة كل السيناريوهات. وهو يعتبر أن الدخول البرّي الإسرائيلي سيعطيه فرصة كبيرة لتجاوز التفوق الجوي لدى الإسرائيليين، ولإلحاق خسائر كبيرة وإبراز قدرته على الاستمرار في إطلاق الصواريخ، ومنع الإسرائيليين من القدرة على التمركز والتثبت في أي نقطة، لأنهم سيكونون عرضة للكثير من العمليات. كما أنه يشير إلى قدراته على صدّ الهجوم ومنع التقدّم، بالإضافة إلى قدرته على ضرب أهداف عميقة في إسرائيل وصولاً إلى تل أبيب، واستخدام أسلحة متطورة وصواريخ بالستية. ولدى الحزب تكتيكاً عسكرياً يستخدمه في هذا المجال ولا يريد فيه حرق المراحل.
إنها معركة طويلة، الكلمة فيها للميدان، وسط غياب تام لأي تحرك ديبلوماسي جدي يسعى إلى وقف النار. بعض التقديرات الديبلوماسية والأممية تفيد بأن الدول لن تتحرك بشكل ضاغط لوقف النار، إلا في حال تعرّضت إسرائيل لضربات قاسية جداً. حينها ستكون هناك فرصة للجلوس على طاولة المفاوضات كما حصل في تموز عام 2006. في المقابل، معطيات أخرى تفيد بأن المعركة بعيدة المدى ولا يمكن للإسرائيليين ولا المجتمع الدولي أو القوى الداعمة لها أن يرتضوا بتكرار سيناريو 2006 وخروج طرفين “منتصرين”، أو ترك فرصة لحزب الله لإعلان الانتصار، خصوصاً أن الغطاء الأميركي الممنوح للإسرائيليين والموافقة على دخولهم برياً، يشيران إلى أن القرار الأميركي أو الدولي لا يريد لإسرائيل أن تخرج مهزومة. في هذا السياق هناك من يرجح اعتماد الأسلوب نفسه الذي اعتمد في قطاع غزة.