IMLebanon

استحالة البحث عن نسخة لبنانية للقرار 1701

كتب خالد حماده في “اللواء”:

العدوان مستمر على لبنان على امتداد المساحة الأميركية المتاحة لإسرائيل، وبما لا يقدم أية مؤشرات تفضي إلى التوصل لوقف إطلاق النار. يجهد لبنان الرسمي في البحث عن نسخة محلية (franchise) – قابلة للتسويق – للقرار الدولي 1701 بما يُبقي على التموضع القائم للقوى السياسية في لعبة السلطة وبما يحاكي مخاوفها على حساب لبنان .

ترى السلطة القائمة في لبنان أن تداعيات تطبيق القرار 1701 وفقاً لمندرجاته أشد خطراً على مواقعها من المخاطر المترتبة على استمرار العدوان الإسرائيلي، وهنا يكمن المأزق الحقيقي وراء الفذلكات اللبنانية لتطبيق القرار الدولي.

من السهل جداً تلمس الإزدواجية في المواقف اللبنانية من خلال التعامل مع الوساطة التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الذي يزور لبنان في محاولة لوقف التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، ففيما يشدّد الرئيس نجيب ميقاتي من منبر عين التينة على استعداد لبنان تطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش الى منطقة جنوب الليطاني والعودة الى النداء الذي أطلقته الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا بدعم من الإتحاد الأوروبي ودول عربيّة وأجنبيّة، لوقف إطلاق النّار، يقول الرئيس نبيه بري : «لقد أبلغنا وزير الخارجية الفرنسي بالموقف اللبناني الملتزم مضامين نداء الدول العشر الداعي إلى وقف النار وتطبيق القرار 1701 فوراً على الأسّس التي تم التوافق عليها مع الموفد الأميركي».

يستبطن موقف الرئيس بري حيال المقاربة الفرنسية مسألتين أساسيتين:

أولهما، الرفض الواضح للتفاعل مع الوزير الفرنسي وإصرار على حصرية التفاوض مع الموفد الأميركي آموس هوكشتين. لكن هذا الرفض يستحضر التساؤل حول استمرار صلاحية الأسّس التي اقترحها هوكشتين في حينه، لا سيما بعد الضربات المتتالية التي نفذها العدو الإسرائيلي والتي أحدثت ثغرات كبيرة – اعترف بها أمينه العام – في منظومة القيادة والسيطرة للحزب وقدراته النارية، وبعد اغتيال أمينه العام ومجموعة كبيرة من قادة الصف الأول لديه. لقد هدفت تلك الأسّس الى ترشيق التوصل الى تطبيق القرار الدولي وتنفيذه عبر مراحل تبدأ بالإنسحاب لمسافة 10 كلم من الحدود، لكنها رُفضت في حينه من قبل الحزب الذي كان يصر على اعتبار ما يحدث فصلاً متقدماً من قواعد الإشتباك وأن الوضع على الحدود محكوم بالعودة الى ما كان عليه قبل الثامن من أكتوبر 2023.

وثانيهما، إصرار الرئيس بري على وضع الدولة اللبنانية في موقع الوسيط بين حزب الله والمجتمع الدولي، بالرغم من النتائج الكارثية التي أحدثتها أحادية القرار الذي اتّخذه حزب الله والمواجهة المستمرة في الجنوب والتي امتدت الى كل لبنان وتسببت بتهجير أكثر من مليون مواطن وتدمير أكثر من مئة قرية بشكل كلي أو جزئي. بمعنى آخر التعامل مع القرار 1701 وكأنه وضع من قبل مجلس الأمن لوقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل، وأن مهمة القوات الدولية هي الفصل بين الحزب وإسرائيل ، وليس مساعدة القوات الشرعية اللبنانية على تأمين الإستقرار ووقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. من جهة أخرى يعبر موقف الرئيس بري عن تباين في الرؤيا مع حزب الله وربما العجز عن توحيد الموقف لإجتياز المرحلة الحرجة. وفي هذا السياق يمكن قراءة الموقف الذي أعلن عنه نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في إطلالته اليوم باستمرار إطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة واستعداد الحزب للمواجهة البرية.

يدرك حزب الله أن الظروف التي أدت إلى نجاحه في الإلتفاف على القرار 1701 منذ العام 2006 والإبقاء على وجوده العسكري في جنوب الليطاني والتمدد بعد ذلك في لبنان وخارجه لم تعد قائمة، وإن المتغيّرات التي طرأت على نظام المصلحة الأميركية قد أطاحت بالدور الإيراني المستند إلى تأجيج الصراعات على امتداد الهلال الممتد من العراق الى المتوسط وهذا بدوره ما أطاح بقواعد الإشتباك التي كانت قائمة في الجنوب بين حزب الله وإسرائيل. إن القراءة المنشودة للقرار 1701 يجب أن تستند إلى قواعد الإشتباك المستجدة في المنطقة، ولا ضير أن يتقيد حزب الله بها بعد أن أظهرت طهران استعدادها للإلتزام بها في مواقف متعددة تراوحت بين الصبر الاستراتيجي والتراجع التكتيكي.

إن تطبيق القرار 1701 ببعديّه الدولي والقانوني لا يمكن أن يكون بالإستمرار في البحث عن نسخة لبنانية تلتف على الشرعية الدولية بل بتموضع حزب الله خلف هذه الشرعية، وفي هذا اختبار للحزب في القدرة على التحوّل من ذراع إقليمي إلى مكوّن لبناني.