IMLebanon

الحاجة إلى مشروع عربي تقوده السعودية

كتب زكريا الغول في “اللواء”:

على مدار العقود الماضية، شهدت منطقة الشرق الأوسط العديد من الصراعات والأزمات، وكان النزاع العربي – الإسرائيلي محور هذه التوترات. ومنذ السابع من تشرين الأول عام 2023، أعادت الحرب المستمرة في غزة ولبنان، تسليط الضوء على القضية الفلسطينية وضرورة إيجاد مشروع عربي شامل تقوده دولة ذات ثقل سياسي واقتصادي كبير مثل المملكة العربية السعودية، من أجل حماية المنطقة وضمان استقرارها.

اتخذت الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة أو لبنان أبعاد جديدة مع انضمام قوى جديدة مثل الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وقد أصبحت تلك الحرب أكثر تعقيداً، مع زيادة حدّة المواجهات وتعاظمها واتخاذها أشكال مختلفة. على الجانب الآخر، تتزايد أيضاً التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة العربية، حيث يواجه العالم العربي تهديدات خارجية وداخلية تشمل التدخلات الأجنبية، الإرهاب، والانقسامات السياسية. كل هذه التحديات تتطلب وجود استراتيجية عربية شاملة تضمن حماية المنطقة من الانهيار وتجنّب وقوعها أكثر وأكثر في دوامة من الفوضى والتدمير.

في هذا السياق، نجد أن الدول العربية بحاجة إلى مشروع متكامل يركّز على تحقيق الاستقرار في المنطقة، ويحمل معه خطة لإعادة بناء العلاقات بين دول المنطقة وضمان تحقيق التوازن في مواجهة القوى العالمية والإقليمية. ومن هذا المنطلق، يبدو أن المملكة العربية السعودية هي الدولة الأنسب لقيادة مثل هذا المشروع، نظراً لما تتمتع به من مكانة دينية، اقتصادية، وسياسية، فضلاً عن دورها التاريخي في دعم قضايا العالم العربي. يضاف اليها شبكة علاقات دولية متميزة مع القوى الكبرى والإقليمية.

السعودية، بصفتها قوة عربية وإقليمية مؤثرة، لطالما كانت لاعباً رئيسياً في الصراعات والتسويات في المنطقة. فهي تمتلك قدرة سياسية كبيرة، فضلاً عن موارد اقتصادية هائلة تمكّنها من دعم مشاريع التنمية والبنية التحتية في الدول المتأثرة بالحروب. ويمكن للسعودية أن تقود مشروعاً عربياً شاملاً يعمل على عدة محاور:

• المحور السياسي:
يجب أن يتمثل الدور السعودي في توحيد الصف العربي، وتقديم مبادرة دبلوماسية تجمع الدول العربية حول طاولة حوار جادة تهدف إلى وضع حد للنزاعات في المنطقة، خاصة تلك بين الدول العربية فيما بينها. وهنا يبرز التحالف الدولي الذي تم إنشائه مؤخراً من قبل السعودية للمضي قدماً في قيام الدولة الفلسطينية وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.

• المحور الأمني:
إن التهديدات الأمنية، سواء من الجماعات المسلحة أو التدخلات الخارجية، تشكّل خطراً كبيراً على استقرار المنطقة. ولذلك، يمكن للسعودية أن تلعب دوراً حاسماً في تشكيل تحالف أمني عربي يحمي المنطقة من هذه التهديدات. من خلال التعاون مع الدول العربية الأخرى، يمكن للسعودية تعزيز الجهود الاستخباراتية والعسكرية لتأمين الحدود ومكافحة الإرهاب ومنع التدخلات الخارجية.

• المحور الاقتصادي:
لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني دون وجود بنية اقتصادية قوية تدعم الدول المتضررة من الصراعات. هنا يأتي الدور الاقتصادي للسعودية، حيث يمكنها قيادة جهود إعادة الإعمار في غزة ولبنان، وتوفير الدعم المالي والفني لبناء البنية التحتية ودعم القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة. مع الأخذ بالاعتبار ضرورة وجود قرار لبناني بإصلاحات جديّة.

• المحور الاجتماعي:
تعاني العديد من الدول المتأثرة بالحروب، مثل فلسطين ولبنان والسودان وغيرها من الدول العربية، من تفكك اجتماعي وانقسامات داخلية. يمكن للسعودية أن تساهم في جهود المصالحة الوطنية في هذه الدول، وتقديم الدعم للمجتمعات المحلية لتعزيز التماسك الاجتماعي، والعمل على تقليل التوترات الطائفية والعرقية التي تزيد من حدّة الأزمات.

أحد أهم العوامل الرئيسية التي تزيد من تعقيد الأزمات في المنطقة هو التدخّل الأجنبي، سواء من قبل قوى دولية مثل الولايات المتحدة وروسيا، أو إقليمية مثل إيران وتركيا. هذه التدخلات غالباً ما تكون ذات دوافع استراتيجية أو اقتصادية، وتعمل على تأجيج النزاعات بدلاً من حلّها.

في هذا السياق، يمكن للمشروع العربي الذي تقوده السعودية أن يسعى إلى تحقيق توازن في العلاقات الدولية. من خلال تقوية العلاقات مع القوى الكبرى والحفاظ على استقلالية القرار العربي، يمكن للدول العربية أن تعمل على منع تلك التدخلات التي تزيد من حدة الصراعات. كما يمكن للسعودية استخدام علاقاتها الدولية للضغط على المجتمع الدولي لإيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية عبر اقامه الدولة الفلسطينية المستقلة، وضمان عدم تكرار الحروب المدمرة في غزة أو لبنان.

لقد أظهرت الحروب في غزة ولبنان أن العالم العربي لا يمكنه الاستمرار في الاعتماد على المبادرات الدولية لحل أزماته، بل يحتاج إلى تحرّك داخلي يعيد للمنطقة استقرارها ويضمن حماية مصالحها. والمملكة العربية السعودية، بما تمتلكه من إمكانيات ومكانة، قادرة على قيادة هذا التحرك.

إن الحاجة إلى مشروع عربي شامل أصبحت أكثر إلحاحاً اليوم، خاصة في ظل التحديات الأمنية والسياسية المتزايدة. مشروع يقوده العرب أنفسهم، ويرتكز على حماية أمنهم واستقرارهم، ويعمل على تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. ويبدو أن السعودية هي الدولة المؤهلة لتقديم هذا المشروع وقيادته، بما يحقق مصالح شعوب المنطقة ويضع حدّاً للدمار والحروب التي تعصف بالشرق الأوسط.