كتب نذير رضا في “الشرق الأوسط”:
ضمّ الجيش الإسرائيلي القرى والبلدات المسيحية في جنوب لبنان إلى قائمة أهدافه القتالية، ووجّه إلى بعض القرى إنذارات بإخلاء سكانها، في حين نفّذ قصفاً لعناصر الدفاع المدني، قرب مستشفى مرجعيون، مما دفع السلطات اللبنانية لإخلاء المستشفى وتوقيفه عن العمل.
ولطالما كانت القرى المسيحية محيدة عن القتال، وبقي القسم الأكبر من سكانها، الذين يقيمون فيها بشكل دائم، صامدين فيها، رغم القصف الذي كان يصل إلى أطرافها، في حين تحولت ثلاث بلدات أساسية منها هي رميش في القطاع الغربي، وإبل السقي، ومدينة جديدة مرجعيون في القطاع الشرقي، إلى مقر إقامة للإعلاميين الذين يغطّون ميدانياً من الجنوب.
لكن هذا الواقع تغيَّر، الجمعة، إذ أغار الطيران المُسيّر الإسرائيلي على منزل في بلدة رميش الجنوبية، للمرة الأولى منذ بدء الحرب. وقالت وسائل إعلام محلية إن البلدة استهدفها سلاح الجو الإسرائيلي بـ3 صواريخ، علماً بأن البلدة كانت لا تزال محيدة إلى حد كبير، وكان القصف يستهدف جميع القرى المحيطة بها، وتسكنها أغلبية شيعية أو سُنية.
وكان كاهن رعية رميش قد ظهر في مقطع فيديو يخاطب فيه أبناء البلدة، قال فيه إنه تلقّى ثلاثة اتصالات تُطالبه بالتمني من السكان عدم مغادرتها. وإذ أشار إلى أن بلدة عين إبل يكتنفها الخطر، وهي بلدة مسيحية أيضاً تقع في قضاء بنت جبيل، ومحاذية لبلدة رميش، قال إن منازل رميش مفتوحة لأهالي عين إبل. وقال إن قرية دبل أيضاً «آمنة»، وقال إنه تلقّى رسالة من «ناس كبار»، بينهم السفير البابوي، يطمئنه بأن السكان في رميش «في أمان».
ويوم الثلاثاء، قال سكان محليون إن 600 شخص، على الأقل، يحتمون في دير ببلدة رميش، بعد أن أنذرهم الجيش الإسرائيلي بمغادرة قريتهم المسيحية عين إبل. وفرَّ السكان إلى الدير في بلدة رميش، التي لم تتلقّ إنذاراً إسرائيلياً.
قصف البلدات المسيحية
وبالتزامن مع استهداف رميش، استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي سيارة لـ«الهيئة الصحية الإسلامية» قرب مستشفى مرجعيون الحكومي في جنوب لبنان، وفق ما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية. وعلى أثر الضربة التي أسفرت عن سقوط مُسعفين، وإصابة 5 آخرين بجروح، أفادت «الوكالة الوطنية» بإخلاء الطاقم الطبي من مستشفى مرجعيون الحكومي في جديدة مرجعيون، وبذلك يكون المستشفى قد توقّف عن العمل.
وتُعدّ مرجعيون أبرز المدن التي يسكنها المسيحيون في جنوب لبنان، وهي مركز محافظة لعدد كبير من القرى والبلدات التي يسكنها مسيحيون وشيعة وسُنة ودروز. وبقيت، حتى الصيف الماضي، محيدة عن القصف، إلى أن جرى استهداف عنصر في «حزب الله» كان بسيارته في المدينة.
وتستقبل المدينة، الآن، عدداً كبيراً من النازحين، وخصوصاً أولئك الذين يتحدرون من المناطق القريبة منها.
وإلى جانب قصف رميش ومرجعيون، تعرضت أحياء يقطنها مسيحيون في بلدة يارون (مختلطة بين سكان مسلمين ومسيحيين) لقصف إسرائيلي مركز، علماً بأن البلدة تشهد معارك ومحاولات توغل بري ينفذه الجيش الإسرائيلي. وقال «حزب الله» إنه يتصدى للتوغل عبر ذلك المحور.
إخلاء القرى المسيحية
وإلى جانب القصف، ضمَّ الجيش الإسرائيلي القرى المسيحية إلى قائمة البلدات التي يتوجب على سكانها إخلاءها. وبعد يومين على دعوة سكان عين إبل إلى إخلائها، من ضمن أكثر من 20 بلدة أخرى، أصدر الجيش الإسرائيلي، الجمعة، دعوات لأهالي دير ميماس والقليعة لإخلائها، وهما بلدتنا تقعان إلى جانب مدينة جديدة مرجعيون.
لكن أهالي القليعة رفضوا مغادرة بلدتهم، وناشد كاهن رعية مار جرجس في القليعة الأب بيار الراعي، الأهالي عدم مغادرة البلدة، على الرغم من التهديدات، وقال: «نحن مواطنون مسالمون ولا تحركات عسكرية في منطقتنا ولا حتى منشآت. القرار النهائي الذي اتخذناه أننا سنحمي منطقتنا من عدم إدخال أي سلاح إليها، ونعاهد ألا نتركها». وتابع: «نحن باقون في القليعة، نعم باقون».
وتُعد القليعة ودير ميماس ومرجعيون من البلدات التي لم يغادرها سكانها خلال حرب يوليو (تموز) 2006، وبقيت صامدة رغم وتيرة القصف والتوغل البري الذي وصل إلى مرجعيون، واقتحم الجيش الإسرائيلي ثكنتها العسكرية، مما دفع السلطات اللبنانية للتواصل مع «اليونيفيل» لإخلاء العسكريين والعشرات من سكانها في اليوم التالي.