كتب داود رمال في “الأنباء الكويتية”:
بعد العملية الفلسطينية المعروفة باسم «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023، تحرك «حزب الله» اللبناني لفتح «جبهة إسناد» إلى جانب فصائل المقاومة في قطاع غزة في اليوم التالي، أي في الثامن منه.
وجاء هذا التدخل استجابة لنداءات دعم الفلسطينيين في مواجهتهم العسكرية مع إسرائيل. إلا أن تلك الخطوة جلبت معها تداعيات خطيرة على الوضع الداخلي في لبنان، وتسببت في تعميق الانقسام السياسي، وفتحت الباب أمام احتمالات حرب شاملة قد تؤدي إلى تغيرات جذرية في ميزان القوى الداخلي والإقليمي.
لا تنكر أوساط سياسية قريبة من المعارضة في حديثها إلى «الأنباء» ان «حزب الله لعب منذ تأسيسه دورا رئيسيا في دعم القضية الفلسطينية، متبنيا موقفا استراتيجيا يعتبر أن أي صراع مع إسرائيل يجب أن يكون صراعا مشتركا بين جميع أطراف المحور المقاوم. وعملية «طوفان الأقصى» التي شنتها الفصائل الفلسطينية وضعت حزب الله أمام اختبار جديد لإظهار دعمه لحماس والجهاد الإسلامي، خصوصا في ظل التصعيد الإسرائيلي العنيف الذي تبعها. ومن هذا المنطلق، لم يكن قرار الحزب بالدخول في الصراع مفاجئا، لكنه جاء في توقيت حساس للبنان، إذ ان البلاد تعاني من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، قد لا تتحمل نتائج مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل».
ورأت الأوساط «ان تدخل حزب الله في هذا الصراع لم يمر دون إثارة الجدل. فقد واجه انتقادات من قوى سياسية لبنانية متعددة. من جهة، يرى أنصار الحزب وداعموه أن هذا التدخل كان ضرورة مبدئية في سياق الصراع الإقليمي ضد إسرائيل، وأنه جزء لا يتجزأ من استراتيجية الحزب للدفاع عن لبنان والمقاومة. بينما في المقابل، أعربت القوى المناوئة للحزب عن مخاوفها من أن هذه الخطوة ستجر لبنان إلى حرب شاملة، خصوصا أن الحدود اللبنانية الجنوبية شهدت اشتباكات مكثفة بين الحزب وإسرائيل بعد بدء القتال في غزة».
وأوضحت الأوساط ان «القوى السياسية المعارضة للتدخل حذرت بأن لبنان في وضعه الحالي غير قادر على تحمل تبعات حرب جديدة، خصوصا في ظل الانهيار الاقتصادي وانعدام قدرة الدولة على إعادة بناء ما قد تدمره الحرب. وتزداد المخاوف مع تزايد احتمالات استهداف إسرائيل للبنية التحتية اللبنانية، ما قد يفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يرزح تحتها البلد منذ سنوات».
وقالت الأوساط: «مع تصاعد الاشتباكات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على الحدود، بدأت التحليلات تتحدث عن سيناريو حرب شاملة قد تشمل كامل الأراضي اللبنانية. إسرائيل استهدفت بشكل ممنهج قادة حزب الله، من كبار العسكريين إلى الأمين العام نفسه، بهدف تفكيك القيادة التنظيمية للجناح العسكري للحزب. هذه الضربات المتلاحقة قد تؤدي إلى إضعاف الهيكل القيادي للحزب، وتضعف قدرته على المناورة والاستجابة لأي تصعيد مستقبلي».
وأضافت الأوساط: «إذا استمرت الحرب لفترة طويلة، فإن خسارة حزب الله لقيادته العليا ستكون ضربة قاصمة قد تفرض تحديات كبيرة على إعادة بناء هيكله القيادي، ما قد يؤدي إلى تحجيم دوره الإقليمي والدولي. هذا السيناريو يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول قدرة الحزب على الحفاظ على قوته وفعاليته كجزء من المحور المقاوم في المنطقة».
وحذرت الأوساط من انه «على المستوى الداخلي، أدت تداعيات تدخل حزب الله إلى تعميق الانقسامات السياسية بشكل لم يشهده لبنان منذ فترة طويلة. الأحزاب والقوى السياسية المناهضة للحزب بدأت تستخدم هذا التدخل كمبرر لزيادة الضغط على نزع سلاح الحزب، معتبرة أنه أصبح يشكل تهديدا للأمن القومي اللبناني. وفي الوقت عينه، يعتبر مؤيدو الحزب أن هذا الضغط يأتي نتيجة لنجاح الحزب في مواجهة إسرائيل، ما سيعزز من مكانته في بعض الأوساط اللبنانية. لكن التداعيات الأخطر قد تكون على مستوى استقرار لبنان ككل، إذ إن حربا مفتوحة قد تؤدي إلى انهيار كامل للبنى التحتية والاقتصاد، ما يزيد من التوترات الاجتماعية ويعقد من جهود استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي».
وأشارت الأوساط إلى انه «من منظور إقليمي، تدخل حزب الله قد يعيد تشكيل التحالفات والتوازنات في المنطقة. إسرائيل ترى في حزب الله تهديدا وجوديا، وتعتبر أن تدمير قدراته العسكرية أولوية قصوى. في المقابل، محور المقاومة، الذي يشمل إيران وسورية إلى حد ما، يعتبر أن أي ضربة لحزب الله هي ضربة للمحور ككل، ما قد يفتح الباب أمام تصعيد أكبر قد يشمل دولا أخرى في المنطقة».
وأكدت الأوساط «إن تدخل حزب الله في جبهة غزة بعد «طوفان الأقصى»، يعد نقطة تحول كبيرة في الصراع العربي – الإسرائيلي، لكنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة على لبنان. من جهة، يعزز موقف الحزب كمحور رئيسي في المقاومة، ومن جهة أخرى، يهدد استقرار لبنان الداخلي. ومع تصاعد العمليات العسكرية واستهداف القيادة العليا للحزب، فإن مستقبل الحزب ودوره في لبنان والمنطقة أصبح أكثر غموضا، وفتح الباب أمام احتمالات قد تغير ملامح لبنان بشكل جذري».