كتب منير الربيع في “الجريدة الكويتية”:
يتكرر سيناريو الحرب الإسرائيلية على غزّة في لبنان ليس في المسار العسكري والميداني فقط بل وفي المسار السياسي والدبلوماسي وآلية التفاوض التي يعتمدها «حزب الله» من جهة، والإسرائيليون من أخرى. ووسّع الإسرائيليون من عملياتهم العسكرية براً وجواً، ويصرّون على إحراز تقدّم برّي لتغيير الواقع العسكري، ويستهدفون البيئة الحاضنة للحزب من خلال التهجير لفصلها عنه، وتشكيل عناصر ضاغطة عليه.
في المقابل، يراهن «حزب الله» على العملية العسكرية البرية لإلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين، لعلّ ذلك يغيّر من موقف تل أبيب، ويدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التراجع والقبول بالمفاوضات، وهي رهانات متضاربة، لا يبدو أن المكان فيها متاح للتفاوض السياسي على الرغم من تأكيد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، أمس، تفويض رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدور الدبلوماسي الذي يقوم به.
نقطتان أساسيتان لا بد من التوقف عندهما في كلمة قاسم الثانية، منذ اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله بغارة إسرائيلية في 27 سبتمبر الماضي، تتعلقان بالمحور ودوره وتوجهاته، النقطة الأولى هي تطابق موقف حزب الله مع موقف إيران منذ زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت وصولاً إلى كلمة قاسم، أما النقطة الثانية فهي تكرار خطأ «حماس» في غزة لناحية الرهان على العملية البرية وعلى قدرة مقاتلي حزب الله على تكبيد الإسرائيليين خسائر كبيرة تدفعهم إلى القبول بوقف إطلاق النار.
بداية وفي استعادة لتجربة غزّة، فإن إسرائيل أبدت استعداداً لتحمل الخسائر الكبيرة بشرياً، وعمل نتنياهو على تغيير عقيدة بن غوريون حول الحروب السريعة والخاطفة وكرّس مبدأ الحرب الطويلة التي تتضمن خسائر، وذلك يتجلى أيضاً في تخليه عن الأسرى أو اعتماد غير معلن لـ «بروتوكول هنيبعل».
ويمكن اعتبار تفويض بري بالدور والمساعي الدبلوماسية لوقف إطلاق النار محاولة لفتح الباب للحلول الدبلوماسية، ولكنه لم يشتمل على ما بعد وقف إطلاق النار، إذ إن ما كان مطروحاً لم يكن بند وقف إطلاق النار وحده، بل جاء ضمن سلّة متكاملة من الملفات، بينها وقف إطلاق النار، وتطبيق القرارات والاتفاقات الدولية، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب، وإنجاز تسوية سياسية، ما يعني عدم القدرة على فصل هذه الملفات عن بعضها.
فجاء كلام قاسم لينسف عملياً هذه السلّة المقترحة والسماح فقط بالتفاوض على مطلب وحيد وهو وقف إطلاق النار، وبعدها يتم البحث في المواضيع الأخرى، علماً بأن ذلك يحتوي على تكبيل لمسعى برّي الذي يقوم على إنتاج حلّ شامل.
في المقابل، فإن إسرائيل وخلفها الدول الغربية لن يوافقوا على وقف إطلاق النار في لبنان فقط، تماما كما رفضوه في غزة، حيث كان هناك إصرار على اتفاق شامل حول جميع الملفات بما في ذلك إدارة القطاع بعد الحرب.
وراهنت حركة حماس على الحرب البرية وتكبيد إسرائيل خسائر بشرية وسياسية واقتصادية لوقف الحرب وهذا لم يحصل. وفتح خطاب قاسم المجال أمام احتمالات الحرب الطويلة في لبنان وإمكانية التوغل البري الإسرائيلي عندما قال إنه لا قيمة للأمتار، لأن الحزب يراهن على الالتحام وتكبيد الإسرائيليين خسائر كبيرة، وهو أيضاً ما كان قد ركّزت عليه «حماس» مع بداية التوغل البرّي في غزة.
وفي تفاصيل الخبر:
وسعت إسرائيل عمليتها البرية في جنوب لبنان، التي باتت تشمل الآن القطاع الغربي الساحلي من الحدود، بعد أن ركّزت في الأيام الماضية على القطاعين الأوسط والشرقي، إذ تمكنت من إحداث مواقع عسكرية ثابتة في بعض النقاط، في حين قصف حزب الله للمرة الثانية في يومين مدينة حيفا، ثالث أكبر مدن إسرائيل.
وقال الجيش الإسرائيلي، أمس، إن «الفرقة 146 بدأت الاثنين عمليات محدودة ومركّزة ضد أهداف وبنى تحتية تابعة لحزب الله في جنوب غرب لبنان»، فيما تراجعت وتيرة الغارات وحجمها على ضاحية بيروت الجنوبية.
ونشر الجيش الإسرائيلي صوراً وأشرطة مصورة تظهر سيطرته على ما قال، إنه مجمع لحزب الله في بلدة مارون الراس بالقطاع الأوسط، التي شهدت معارك عنيفة في حرب 2006، ورفع جنود إسرائيليون العلم الإسرائيلي في البلدة، التي خسر فيها عدداً من الجنود في أول أيام العملية البرية، التي أطلقت في 30 أيلول الماضي.
وأظهرت أشرطة مصورة نشرت في الأيام الماضية إقامة الجيش الإسرائيلي نقطة عسكرية تضم عشرات دبابات الميركافا في بلدة يارون بالقطاع نفسه، كما أظهرت دماراً شاملاً في البلدة، وتظهر خرائط عسكرية إسرائيلية أن القوات الإسرائيلية تتواجد في منطقتي العديسة وكفركلا في القطاع الشرقي من الحدود.
وأعلن حزب الله أمس، أنه أجبر قوة إسرائيلية على التراجع في منطقة اللبونة بالقطاع الغربي، في أول إعلان للحزب عن توغل بري من هذا القطاع، غير أن مواقع إسرائيلية تحدثت عن توغلات في مناطق أخرى من ناحية بلدة علما الشعب.
في المقابل، قال حزب الله، إن القوات الإسرائيلية تسللت خلف موقع لقوات اليونيفيل الأممية في اللبونة.
وتقول مصادر محلية في جنوب لبنان، إن الجيش الإسرائيلي تجنّب خوض معارك عنيفة مع مقاتلي حزب الله باستثناء اليومين الأولين، ويركز بدل ذلك على القيام بتوغلات في الأراضي المفتوحة، تمكنه من إجراء عمليات «تطهير» للأنفاق ومخازن الأسلحة التابعة للحزب.
من ناحيته، قام حزب الله بإطلاق وابل من الصواريخ يزيد على 100 صاروخ من لبنان باتجاه حيفا وخليجها في شمال إسرائيل. ووفق مواقع إسرائيلية، اعترضت القبة الحديدية عشرات الصواريخ، لكن عدة صواريخ سقطت في المنطقة. وتحدثت تقارير عن وقوع 12 جريحاً. وتبنى حزب الله فجراً قصف تجمعات جنود في محيط موقعين عسكريين ومرابض مدفعية في منطقتين شمال إسرائيل.