Site icon IMLebanon

في ظلّ تخوف من تدهور سعر الصرف… بارقة أمل اقتصادية

كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:

لم يشأ كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في بنك عودة الدكتور مروان بركات إلقاء الضوء فقط على التداعيات السلبية للحرب القائمة على الاقتصاد والنقد المتمثلة في “الضغوط النقدية المحتملة تبقى مرتبطة بآفاق الحرب ومدّتها، إذ في حال امتدت الحرب لفترة طويلة فإن سعر صرف الليرة مقابل الدولار سيعود مجدداً إلى التدهور… وتقدير الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة كبيرة جداً، أقلّه بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي وفق التقديرات الأكثر تحفّظاً…، وانكماش الاقتصاد بنحو 5% في العام 2024  كما هو مُتوقع في حال استمرّ العدوان على لبنان لثلاثة أشهر، على أن يبلغ الانكماش الاقتصادي 20% في العام المقبل في فرضية استمرار الحرب لعام كامل”. لكنه أراد أيضاً أن يُسِرّ في ظل هذه الصورة القاتمة، بأن “أسعار سندات الـ”يوروبوندز” اللبنانية قفزت بنسبة ٣٥% في الأسواق العالمية خلال الأسبوعين الماضيين، من ٦.٥ سنت للدولار الواحد منذ أسبوعين إلى ٨.٧٥ سنت للدولار اليوم. إذ وجد المستثمرون الأجانب بارقة أمل في التغيير الذي يمكن أن يطرأ على المشهد السياسي والاقتصادي في المدى المتوسط”.

التداعيات بالأرقام..

كلام بركات جاء في حديث لـ”المركزية” قال فيه: لا شك أنّ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان قد خلّفت خسائر بشرية ومادية واقتصادية جسمية جداً وفق كافة المعايير، مع نشوء أكبر عملية نزوح في تاريخ لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية في العام 1990. كما توقف عمل معظم القطاعات داخل الاقتصاد اللبناني. وفي حين أن بعض القطاعات مثل القطاع السياحي والزراعي، قد تلقت الضربة الأكبر جراء الاعتداءات، إلا أنّ قطاعات الصناعة والعقار والتجارة والخدمات، تلقت أيضاً انتكاسة حادة جراء تردي الأوضاع الأمنية.

في الواقع، يُضيف بركات “يبدو جلياً أنّ الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة كبيرة جداً، وهي تقدّر أقلّه بنحو 35% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق التقديرات الأكثر تحفّظاً. إنّ الأضرار المباشرة للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان تشمل دمار الوحدات السكنية والمؤسسات الصناعية والتدهور الزراعي، إلخ… أما الأكلاف غير المباشرة على الاقتصاد فمرتبطة بالنشاط الاقتصادي الضائع، وهي تفوق بكثير حجم الخسائر المباشرة”.

ويتابع: من المتوقع أن يشهد الاقتصاد مرحلة من الانكماش نتيجة الركود في استهلاك الأسَر والاستثمار الخاص والصادرات، إذ من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنحو 5% في العام 2024 في حال استمرّ العدوان على لبنان لثلاثة أشهر، على أن يبلغ الانكماش الاقتصادي 20% في العام المقبل في فرضية استمرار الحرب لعام كامل. وكما حدث خلال الحرب 2006، سجّل هروب لبعض الرساميل، لكنه بقي محدوداً بالقيَم المطلقة والنسبية. إلا أنّه بخلاف المناخ الذي كان سائداً في العام 2006، فإن البلاد تعاني أصلاً اليوم من اختلالات اقتصادية كبيرة وخسائر مالية فادحة.

أما على الصعيد النقدي، فيقول بركات: إن الضغوط النقدية المحتملة تبقى مرتبطة بآفاق الحرب ومدّتها. ففي حال امتدت الحرب لفترة طويلة، فإنّ سعر صرف الليرة مقابل الدولار الذي ظل مستقراً طوال 18 شهراً خلت، سيعود مجدداً إلى التدهور. كما أنّ التضخم الذي تراجع إلى 20% مؤخراً سيعود ليسجّل نسبة بثلاثة أرقام إذا طالت الحرب. أما احتياطيات مصرف لبنان السائلة من النقد الأجنبي، التي زادت بنحو 2.1 مليار دولار منذ نهاية تموز 2023، فقد يتم استنزافها مع الوقت. إلى ذلك، فإنّ ميزان المدفوعات الذي سجّل فوائض خلال الفترة الأخيرة، سيعود إلى تسجيل عجوزات لافتة بحسب طول أمد الحرب.

ويُشير إلى أنه “في ظل هذا الإطار، يخيّم مناخ من الترقب والحذر بشأن مستقبل البلاد، وسط التطلع إلى آفاق إعادة بناء اقتصاد ممزّق. مما لا شك فيه أنّ مرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب قد تشكّل محرّكاً ملحوظاً للنمو، إلا أننا نعتقد أنّ هذا التوقع قابل للتحقق فقط في حال تحسن المناخ الاستثماري بشكل ملموس، والذي ينتج عن خرق إيجابي في الوضع السياسي الداخلي”.

أسعار سندات الـ”يوروبوندز” اللبنانية قفزت ٣٥%

ويذكر بركات في هذا السياق أن “الأوراق اللبنانية المتداولة عالمياً بدأت تراهن على خرق ما في الجدار السياسي المحلي. فقد قفزت أسعار سندات الـ”يوروبوندز” اللبنانية بنسبة ٣٥% في الأسواق العالمية خلال الأسبوعين الماضيين، من ٦.٥ سنت للدولار الواحد منذ أسبوعين إلى ٨.٧٥ سنت للدولار اليوم. إذ وجد المستثمرون الأجانب بارقة أمل في التغيير الذي يمكن أن يطرأ على المشهد السياسي والاقتصادي في المدى المتوسط، وذلك بعد تجاوز التحديات الكبيرة القصيرة الأجل. في هذا الإطار يقوم المصرف العالمي “غولدمن ساكس” Goldman Sachs  بشراء سندات الـ”يوروبوندز” اللبنانية بأحجام لافتة. كما أصدر مصرفHSBC  تقريراً جديداً عن لبنان بعنوان “هل حان وقت التغيير؟”.

ويرى في نظرة مستقبلية، أن “الآفاق الاقتصادية للبلاد تبقى مرتبطة بمجريات التطورات السياسية ومدى إمكاناتها بأن تولّد مناخاً سياسياً سليماً، داعماً للاستثمار والنمو والنهوض. في حين أنّه لم تظهر بعد أي مؤشرات ملموسة بهذا الشأن، يبدو جلياً أنّ مجتمع الاستثمار قد تبنى حالاً من الترقب، وهو بحاجة إلى تقييم متواصل للمخاطر السياسية في البلاد بشكل عام”.

ويختم بركات في هذا الصدد: إن الحاجة إلى استعادة “الثقة الضائعة” تفرض على السلطة السياسية في لبنان تحديات جمة بشأن العمل على إرساء وقف إطلاق النار بشكل قاطع، وسدّ فجوة الفراغ المؤسساتي على المستوى الدستوري، والتوصل إلى اتفاق وتسويات بشأن كل المواضيع العالقة، وإعطاء الإشارة الصحيحة لمجتمع الاستثمار والأعمال بشكل عام. إنّه فقط من خلال إعادة إحياء هذه الثقة يمكن للبنانيين الخروج من المأزق القائم وحال الإحباط المهَيمِن، والرهان على مستقبل اقتصادي أكثر مؤاتاة، وهو ما يطمح إليه الجميع بصرف النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم. من هنا، فإن اللبنانيين مدعوّون إلى التضامن الوطني، واستخدام جميع الموارد المتاحة محلياً وإقليمياً ودولياً من أجل إعادة الإعمار، وإرساء النهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة بشكل عام.