كتب أنطولن الاسمر في “اللواء”:
دخل الإقليم السنة الثانية من حرب قلبت التوازنات، وأتاحت لإسرائيل، او تكاد، تحقيق ما كانت تخطط له، أقلّه منذ سنة 2006، لتصفية حزب لله وحركة حماس وأخواتهما. ومع انتقال المجهود الحربي الإسرائيلي إلى الجبهة الشمالية بعد تدمير غزة، يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المرواغة من أجل الاستمرار في تغذية من حربه، حتى لو كان خداع كلّ من واشنطن وباريس سبيلا لتحقيق هذا الغرض، أو إهانة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإلحاحه بضرورة وقف الحرب على لبنان، وحضّه على وقف تسليح إسرائيل نتيجة لما ترتكبه.
في المقابل، فوّضت قيادة حزب لله رئيس مجلس النواب نبيه بري إدارة المفاوضات السياسية لوقف إطلاق النار، في استعادة لتجربة سنة 2006 التي يعدها الثنائي الشيعي ناجحة. ولا شك أن هذا التفويض يعني حكما موافقة الحزب على الانفصال عن غزة، حتى لو لم تشتمل أدبياته بعد على هذا الموقف. ويمكن التأسيس على هذا التطور بغية الدفع في اتجاه وضع ترتيبات سياسية وأمنية تنهي الحرب وتعيد إحياء القرار ١٧٠١، مع توجّه دولي لجعل كل ذلك ضمن سلّة كاملة تشمل رئاسة الجمهورية وتركيبة الحكم.
لكن ثمة من يخشى من أن يكون تطور موقف الحزب تحت ضغط الحرب وما وقع عليه من خسائر هائلة وغير مسبوقة، قد جاء متأخرا بالنظر إلى أن نتنياهو الذي يعتبر أنه بات قريبا جدا من تحقيق المنطقة العازلة جنوبا تحت ضغط النار، انتقل إلى الهدف الإسرائيلي الأبعد وهو تدمير الحزب، وإيجاد حزام امني آمن قد يصل إلى عمق ٢٠ كيلومترا، المسافة التي تعتبرها تل أبيب ضرورية، لمنع تكرار ٧ تشرين الغزّاوي جنوبا. وهو لن يتوانى عن تثبيت تهجير البيئة الحاضنة للحزب وتهجيرها من الجنوب ومنعهم من العودة تحت أي ظرف كان، وربما تهجيرهم من لبنان صوب العراق. وهو المخطط الذي أحبطه الثنائي مباشرة بعد انتهاء حرب ٢٠٠٦، عبر جعل العودة أولوية مطلقة تسبق أي أولوية أخرى بما فيها إعادة الإعمار.
ويكشف العنف الإسرائيلي المتزايد تفلّت نتنياهو من أي ضوابط، أميركية على وجه التحديد. وبات هذا الواقع أمرا مزعجا لإدارة الرئيس جو بايدن وللحملة الرئاسية للجمهوريين. وتردد أن بايدن أدرك إثر تواصله الأخير مع نتنياهو أن إسرائيل مهتمة بردّ على إيران أكبر مما يتوقعه، وهو الذي أبلغ تل أبيب معارضته استهداف منشآت نووية ونفطية إيرانية.
ولفت في هذا السياق تخوّف دول خليجية من أن يؤدي استهداف الجيش الإسرائيلي مصالح نفطية إيرانية إلى رد فعل من طهران أو أذرعها يطال منشآت نفطية في عدد من دول الخليج.
ولا شك أن هذا النوع من التحولات، في حال حصل، من شأنه من جهة أن يفجّر المنطقة، ومن جهة أخرى أن يحدث هزّة اقتصادية عالمية نتيجة الارتفاع الأكيد في أسعار النفط، وهو سيُترجم تلقائيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية حيث يتأثر الناخبون حكما في أي ارتفاع نفطي، فيميل المترددون منهم إلى المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، عقابا للمرشحة الديموقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس.
يشير هذا الواقع الدراماتيكي بمرحلة نارية فاصلة عن 5 تشرين الثاني موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيوظف الفترة الفاصلة عن الاستحقاق الأميركي الكبير للعبث الأقصى بالمشهد الإقليمي، مع إدراكه أن سلوكه هذا سيصب حكما في مصلحة الحملة الرئاسية للجمهوريين. وتاليا، هو لن يتوانى عن مزيد من التصعيد والقتل والدمار بما فيه إشهار الغزو البري للجنوب لتحقيق الحزام الأمني الذي يراه لزاما لكي يتحقق له إبعاد حزب لله من جنوب الليطاني مدخلا لإعادة المستوطنين إلى منازلهم في الشمال.
وتُستعاد في هذا السياق مساعي المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين القاضية بخلق مساحة خالية من السلاح كان من شأنها أن توفّر على لبنان وعلى الحزب كل الدمار الذي وقع.
ولئن يستشعر زوار بري تهيّبه للتطورات، وتحديدا منذ اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر لله، ثمة تعويل على القيادة الشيعية لاستدراك المزيد من المآسي، واستطرادا حماية الشيعة عبر إحباط التوجّه الإسرائيلي بتحقيق الترانسفير الكبير، وربما تسهيل توطينهم في العراق أو في أي ناحية أخرى لا تشكّل خطرا على إسرائيل. ويتمّ ذلك أولا بتكريس خيار فصل لبنان عن غزة وتطبيق القرار ١٧٠١، وصولا في مرحلة لاحقة غير بعيدة إلى وضع السلاح في كنف الدولة من خلال الإستراتيجية الدفاعية المعطّلة منذ أكثر من عقد.