IMLebanon

طموحات محدودة لمؤتمر دعم لبنان في باريس

كتب ميشال أبو نجم في “الشرق الأوسط”: 

ستكون الدول الأوروبية والمفوضية حاضرة في المؤتمر، الذي دعت إليه باريس يوم 24 الحالي لمساعدة ودعم لبنان، والذي وضعت له 4 محاور رئيسية. المحور الأول محور إنساني، عنوانه مزدوج وفق ما شرحت مصادر رئاسية فرنسية، إذ سيتناول وضع القطاع الصحي والاستجابة لحاجة لبنان التمويلية المباشرة (427 مليون دولار) ودعم القطاع الصحي والاستشفائي وتوفير الأدوية.

والجانب الذي يجد لبنان نفسه عاجزاً أيضاً إزاء فداحته، يتركز على ملف النازحين، الذين تقدرهم المصادر الحكومية بـ1.4 مليون شخص اضطروا لترك منازلهم وقراهم المدمرة في غالبيتها.

وهذا التناول، في مرحلته الراهنة، لا يتناول إعادة بناء ما تهدم، إذ الحرب ما زالت دائرة رحاها، ولائحة التدمير الطويلة لم تختتم. وترى المصادر الرئاسية الفرنسية أن «هناك حاجة للتنسيق بين الدول الراغبة في تقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان». وليس من المستبعد أن تتشكل لجنة لهذه الغاية، علماً أن غالبية الدعم الإنساني والمالي سيأتي من الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص.

أولوية دعم الجيش
أما المحور الثاني فيتركز على دعم الجيش اللبناني، وهو محل إجماع نظراً للدور المنتظر منه عندما تضع المعارك أوزارها، وتتم العودة إلى القرار الدولي رقم 1701، سواء بصيغته الراهنة أم المعدلة ودور الجيش في فرض احترامه، إلى جانب قوات «اليونيفيل» الموجودة في لبنان منذ عام 1978.

والحال أن القاصي والداني يعيان أن الدولة اللبنانية لا تمتلك الإمكانات لتطويع مزيد من الجنود، ولا لنشرهم، ولا لتسليحهم، فضلاً عن أن الجيش الذي يعدّ العمود الفقري للمحافظة على الدولة اللبنانية مطلوب منه اليوم القيام بمهام متعددة، من بينها المحافظة على الأمن الداخلي ومراقبة الحدود والانتشار على كل الأراضي اللبنانية… ومع الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت لبنان منذ عام 2019، تهاوت رواتب العسكريين واضطرت قيادة الجيش للبحث عن موارد تمويل وهبات متعددة المصادر.

من هنا، ينتظر أن يحظى دعم القوات المسلحة اللبنانية على إجماع المؤتمرين، علماً أن السنوات الأخيرة شهدت كثيراً من المؤتمرات لدعم الجيش، وتقوم إيطاليا برئاسة لجنة مخصصة لهذه الغاية.

وفي هذا السياق، واستجابة لالتزام الحكومة اللبنانية بنشر قوات الجيش جنوب نهر الليطاني، فإن باريس أكدت بصوت مندوبها لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، بمناسبة انعقاد جلسة مجلس الأمن، الخميس، العمل على «ضمان سيادة لبنان». الأمر الذي يمر بدعم القوات المسلحة اللبنانية.

وقال دو ريفيير لاحقاً: «نريد زيادة الدعم للمؤسسات اللبنانية، خاصة القوات المسلحة اللبنانية… نريد انتشار القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب والقيام بمهمتها… ما نحتاج إلى فعله هو التأكد من أن القوات المسلحة اللبنانية مجهزة ومدربة بشكل صحيح».

وفي السياق، قال نائب المندوب الأميركي روبرت وود، في إطار اجتماع مجلس الأمن: «إن على المجتمع الدولي أن يركز جهوده على تعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية».

وأضاف وود: «حلّ هذه الأزمة ليس بإضعاف لبنان… وإنما بالذهاب إلى لبنان قوي وذي سيادة حقيقية بحماية من قوة أمنية شرعية تتمثل في القوات المسلحة اللبنانية». وبحسب مصادر دبلوماسية في باريس، فإن دعم الجيش اللبناني محل إجماع، وينتظر أن تصدر عن المؤتمرين مقررات قوية بهذا الشأن.

الفراغ الرئاسي
يقوم المحور الثالث للمؤتمر، وفق ما شرحته المصادر الرئاسية، على الدفع باتجاه معالجة الأزمة المؤسساتية التي يعاني منها لبنان منذ عامين، مع الفراغ الرئاسي من جهة، ووجود حكومة تصريف أعمال، وشلل المجلس النيابي، وضعف أداء الحكومة والإدارة، خصوصاً في ظروف الحرب التي تلفّ لبنان.

وقالت المصادر الرئاسية ما حرفيته: «إن الرسالة التي سيروج لها الشركاء الدوليون عنوانها تقديم الدعم للمؤسسات اللبنانية وتشجيع الشركاء اللبنانيين من أجل إيجاد سلطة تنفيذية، عنوانها الأول انتخاب رئيس للجمهورية».

وتجدر الإشارة إلى أن باريس تجهد، منذ ما قبل حلول الفراغ في قصر بعبدا، على القيام بوساطة تسهل انتخاب رئيس للجمهورية، بشكل منفرد أو من خلال اللجنة الخماسية، التي تضم إلى جانب فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية ومصر وقطر، إلا أن جهودها لم تثمر، كما أن محاولات الخماسية تدور في فراغ.

وتأخذ باريس على السياسيين اللبنانيين، كما تقول مصادر فرنسية معنية، «تغليبهم مصالحهم الشخصية والحزبية والمذهبية على المصلحة الوطنية، وانقساماتهم التي تغذي بعضها جهات خارجية». ومن المرتقب أن يلحظ البيان الختامي للمؤتمر فقرة خاصة بهذا الملف، الذي تبدو الحاجة لإغلاقه أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بسبب حالة الحرب التي يعيشها لبنان والحاجة إلى جهات كاملة الصلاحيات تخوض التفاوض باسم لبنان، عندما تنطلق المفاوضات.

هدف واشنطن
يبقى أن كل هذه المحاور ستبقى قاصرة من غير توقف لإطلاق النار وإطلاق العملية السياسية الدبلوماسية، وتسوية الخلافات الحدودية بين لبنان وإسرائيل. والحال أن الاجتماع الأخير لمجلس الأمن اقتصر على كلمات المندوبين، ولكن لم يصدر أي بيان أو أي قرار.

ويجدر التذكير بأنه خلال أسبوع القادة، في بداية أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، توصلت الولايات المتحدة وفرنسا إلى إطلاق مبادرة دعمها كثير من الدول الأوروبية والعربية، تقوم على الالتزام بهدنة من 21 يوماً يجري خلالها البحث في العودة إلى التنفيذ الحرفي للقرار 1701 والتزام الحكومة اللبنانية بالعمل بمقتضياته، بما في ذلك إرسال قوة كبيرة من الجيش اللبناني إلى جنوب الليطاني.

خيبة كبرى
جاء التزام الحكومة اللبنانية مع ضوء أخضر من «حزب الله» بقبول وقف إطلاق النار، ما يعني عملياً فكّ الارتباط بين الجبهة اللبنانية وغزة، وهو الخط الذي سار عليه الحزب منذ 8 تشرين الأول من العام الماضي. بيد أن هذه الجهود، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، أصيبت بخيبة كبرى عندما سحبت واشنطن يدها من المبادرة التي أطلقتها مع فرنسا، مفسحة المجال لإسرائيل لتحقق أهدافها من الحرب على لبنان. وبدا ذلك جلياً من خلال غياب الدعوة لوقف إطلاق النار في كلمة نائب المندوب الأميركي في مجلس الأمن، كما غابت أيضاً عن تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن من لاوس، حيث كان يشارك في اجتماع دولي لبلدان جنوب شرقي آسيا.

فالمندوب الأميركي روبرت وود أفاد أن بلاده «تعمل على التوصل الى حل دبلوماسي»، لكنه لم يشر إلى وقف إطلاق النار.

وتسعى باريس إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى المبادرة الفرنسية الأميركية، وستعمل للاستفادة من المؤتمر للدفع في هذا الاتجاه. وستدل نوعية المشاركة الأميركية، التي تريدها باريس على مستوى وزراء الخارجية، على مدى الاهتمام الأميركي بالجهد الجماعي المرتقب من المؤتمر المرتقب.

وكشف المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الأربعاء، عما تطمح إليه واشنطن في لبنان، بقوله: «نريد أن يقرر الشعب اللبناني هوية قادته». مضيفاً: «نحن بالتأكيد لا نريد أن نملي على الشعب اللبناني من هو زعيمهم، ولن نفعل ذلك… نريدهم أن يكونوا قادرين على القيام بذلك في غياب منظمة إرهابية تصوب مسدساً إلى رؤوسهم، وهو الوضع الذي يعيشه لبنان منذ عقود حتى الآن». وختم قائلاً: «في نهاية المطاف، نأمل أن يتم إضعاف (حزب الله) بما فيه الكفاية بحيث يصبح أقل قوة في السياسة اللبنانية».

وكان من الممكن لباريس أن تراهن على موقف أوروبي موحد. والحال أن الانقسامات، التي برزت بشأن حجب السلاح عن إسرائيل، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية الأسبوع الماضي، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الجمعة، تُبين عمق الانقسامات الأوروبية، وتُظهر أن الرافعة الجماعية الأوروبية معطلة، خصوصاً عندما يعلن المستشار الألماني، في الفترة عينها، معاودة بلاده تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، بعد تجميد غير معلن، منذ بداية العام الحالي.