كتبت بولا اسطيح في “الشرق الاوسط”:
لا أولوية لدى «حزب الله» راهناً غير صد الهجمات الإسرائيلية البرية عند الحدود الجنوبية؛ لأن أداءه هناك هو الذي سيرسم ملامح المرحلة المقبلة؛ إذ سيعطيه دفعاً حين يحين موعد التفاوض، أو يمهِّد لتقليص دوره، وفق ما يرى مراقبون لبنانيون.
رغم أن الحزب كلّف رئيس المجلس النيابي نبيه بري بمهمة التفاوض باسمه في موضوع وقف النار، وأعلن تأجيل النقاشات في أي ملفات سياسية أخرى عدَّها «تفصيلية»، فإن المواقف التي تَصْدُر عن بعض نوابه ومسؤوليه تُظهر تخبطاً في إدارة هذه المرحلة السياسية، بعدما كان أمينه العام السابق حسن نصر الله، الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي، هو الذي يرسم كل الأطر والسياسات.
ولعل أبرز ما يوحي بالتخبط هو عدم اتضاح ما إذا كان «حزب الله» قد قرر فعلياً فك ربط جبهة لبنان بجبهة غزة، أو أنه لا يزال يطمح لوقف نار يشمل الجبهتين.
وترجِّح مصادرُ سياسية مواكبة للملف أن يكون هناك «توزيع أدوار بين الحزب ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كلفه بالتفاوض على أساس فك الارتباط، بينما يتجنب مسؤولو الحزب ونوابه عبر الإعلام التطرق للملف، وإن أُحْرِجوا فإنهم يتحدثون عن استمرار الربط حتى لا يُحسبَ عليهم أي تراجع أو انكسار».
انتهاء سيطرة الحزب
يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ببيروت الدكتور هلال خشان أن «(حزب الله) مستمر اليوم من دون قيادة سياسية أو عسكرية، وبات واضحاً أن ما كان معروضاً عليه قبل شهرين لوقف النار لم يعد معروضاً عليه اليوم»، لافتاً إلى أن «ما كان يعارضه بشدة في المرحلة الماضية، وبالتحديد لجهة رفض فصل مسار غزة عن مسار الحرب في لبنان، وافق عليه اليوم، ولكن بعد فوات الأوان».
ويرى خشان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه لا خيار أمام «حزب الله» بعد الذي تَعَرَّض له «إلا التحول إلى حزب سياسي، وهذا سيحدُث عاجلاً أم آجلاً»، مشيراً إلى أننا في المرحلة المقبلة سنرى تمدُّد الدولة وازدياد نفوذها بعدما كان «حزب الله» هو المسيطر عليها، وقد بدأ ذلك يحدث عملياً بتسليم الجيش اللبناني مطار بيروت».
ويضيف خشان: «الخشية بعد انتهاء الحرب أن يقوم الحزب المكسور بردات فعل داخل لبنان، لكننا نعتقد أننا سنشهد إشكالات سيكون الجيش والقوى الأمنية قادرين على ضبطها».
ويرجح خشان أن «تبقى الحصة الشيعية في الدولة اللبنانية على حالها، لكنها ستذهب في معظمها مستقبلاً إلى (حركة أمل)، خصوصاً أن حاكم لبنان الفعلي راهناً هو الرئيس بري»، في إشارة إلى أن حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري من المحسوبين على بري.
أفول زمن الاستقواء
من جهته، يرى الناشط السياسي المحامي أنطوان نصر الله أنه «من المبكر الحديث عن المفاوضات السياسية وعن احتمال تحوُّل (حزب الله) إلى حزب سياسي»، لافتاً إلى أن «العين اليوم على الميدان على أساس أن مدى صمود المقاومة وتحقيق أهدافها بصد الهجمات سيحدد دور الحزب ونفوذه مستقبلاً».
ويرى نصر الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «حزب الله» لم يعُد متماسكاً بطروحاته السياسية، موضحاً أن موافقته على تطبيق القرار 1701 ستعني ضمنياً الموافقة على القرار 1559، على أساس أن الأول يلحظ تطبيق كل القرارات الدولية.
ويضيف: «المرحلة لا تزال ضبابية جداً. ومهما كانت وضعية الحزب بعد الحرب فإنه يُفترض أن يعيد كل حساباته».
وينبه نصر الله إلى أنه من المفترض التعامل بالكثير من التروي مع المرحلة المقبلة، خصوصاً بغياب السيد حسن نصر الله الذي كان «ضمانة للسلم الأهلي»، مؤكداً أنه يُفترض احتضان مناصري الحزب للخروج من هذا المأزق بأقل الأضرار الممكنة، خصوصاً أننا بعد وقف النار سنكون مع نازحين لبنانيين وفلسطينيين وسوريين موجودين في مناطق ومجتمعات معيَّنة؛ ما يهدد التركيبة اللبنانية القائمة، ويوجب الانفتاح على سوريا والعرب وأوروبا، وانتهاج سياسات خارجية وداخلية واضحة ومتحركة.
مرحلة جديدة
يشير نصر الله أيضاً إلى أن «لبنان يتجه لمرحلة جديدة سيكون على (حزب الله) التأقلم معها، أبرز معالمها أن الأولوية ستكون للدولة ومؤسساتها، وانتهاء زمن سياسة الاستقواء والتكبر على المجموعات الأخرى، بعدما تبيَّن للحزب أنه بحاجة إليها في زمن الحرب، اجتماعياً وسياسياً وإعلامياً. كما على الحزب أن يُسلّم بأن لبنان لم يعد يحتمل خوض حروب عن فلسطين وسوريا واليمن وسواها من الدول».