كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
أكثر من 420 ألف نازح اجتازوا المعابر اللبنانية – السورية حتى الآن هربًا من شدة القصف الإسرائيلي والغالبية تخطت مشقات العبور سيرًا على الأقدام بعد تعرض الطريق الدولي بين بيروت ودمشق لغارة جوية مما يحول دون عبور السيارات عليها.
إلى هنا يبدو الخبر عاديا. لكن الكلام عن عودة 310 نازحين سوريين من أصل الـ420 ألفا منذ تصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على لبنان أواخر شهر أيلول الماضي بحسب مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يستوجب التوقف عند حركة النزوح المعاكس وهذا ما عجزت عن تحقيقه الدولة اللبنانية التي وضعت خططا لعودة النازحين السوريين طوعاً إلى بلادهم قبل اندلاع حرب غزة وإدخال لبنان فيها تحت شعار “حرب المساندة”.
إلا أن تجربة النزوح السوري إلى لبنان لا تنطبق على مثيلتها في حركة النزوح المعاكس ويبدو ان النظام السوري “تعلّم” من إخفاقات الدولة اللبنانية التي شرعت حدودها وسمحت باستباحة أراضيها للنازحين السوريين من باب التعاطف الإنساني منذ بداية النزوح عام 2012. وعليه، استبق النظام أي حركة نزوح لبنانية عشوائية وأصدر قرارا قضى بفرض بطاقة “طوارئ” على الوافدين اللبنانيين الذين اضطروا للجوء إلى سوريا فإن الإجراء الجديد يهدف إلى تسهيل دخول الوافدين من لبنان إلى سوريا. ويقضي الإجراء الجديد بمنح الجمارك السورية البطاقة للبنانيين الوافدين إلى الأراضي السورية والتي يسمح بموجبها الإقامة على أراضيها لمدة شهر واحد فقط لا غير على أن يتم تجديدها كل 15 يوما.
عدم قدرة كثير من اللبنانيين الوافدين إلى الأراضي السورية الحصول على دفتر دخول من الجمارك اللبنانية الذي بموجبه يمكنه الدخول إلى الأراضي السورية لمدة 120 يوما هو السبب الرسمي الذي كان وراء إصدار بطاقة الطوارئ ومنحها لكل نازح لبناني يدخل الأراضي السورية. حجة مقنعة ومقبولة إلى حد ما! وفي ما خص النازحين السوريين الذين قرروا طوعا العودة إلى وطنهم هربا من القصف وانعدام فرص العمل التي كانت وراء حجة عدم عودتهم، إلا أنهم وجدوا أنفسهم أمام واقع معيشي جديد في سوريا عدا عن تعرض بعضهم للإعتقال بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية، علما أن بشار الأسد كان أصدر قرار عفو عن كل الفارين من الخدمة الإلزامية مطلع الشهر الماضي. إلا أن القرار لا يشمل النازحين أو أنه جاء بمثابة غطاء لعمليات التوقيف التي يتعرض لها النازحون العائدون إلى المناطق الخاضعة للنظام.
في لبنان، تشير مصادر مطلعة لـ”المركزية” الى أن عددا كبيرا من النازحين السوريين غادروا منازلهم وعملوا على تأجيرها للنازحين اللبنانيين من قرى الجنوب وبعلبك والهرمل والضاحية الجنوبية بمبالغ تراوح بين 200 و400 دولار وتوجهوا إلى مراكز الإيواء التي فُتحت أمام النازحين اللبنانيين، وبذلك يستفيدون من الإقامة المجانية والمساعدات التي تصل إلى النازحين اللبنانيين من جمعيات إنسانية وأفراد متمولين عدا عن المساعدات الأممية.
المنسق العام للحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين النقيب مارون الخولي يعتبر ان “الحجج التي كان يتذرع بها النازحون وبعض المنظمات الدولية والمسؤولين الأوروبيين حول حقوق الإنسان تهاوت. فالقتلى الذين يسقطون يوميا من عداد النازحين بفعل الغارات على الجنوب والضاحية والبقاع والهرمل باتوا بالمئات والأوضاع الإقتصادية على حافة الإنهيار مع إقفال مؤسسات وتهدم أخرى. إذا مسالة اللجوء إلى لبنان باتت تشكل خطرا على وجودهم عكس ما هي الحال في سوريا على رغم الكلام عن اعتقالات تطال عددا من النازحين العائدين إلى سوريا”.
وفي السياق، يشير الخولي إلى ان مسألة الإعتقالات على يد النظام السوري بسبب التهرب من الخدمة العسكرية هي شأن داخلي وذات أبعاد قانونية ويمكن أن تطال كل المواطنين السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية وطوائفهم، وهذا يحصل في كل دول العالم ولا علاقة له بمسألة حقوق الإنسان إنما بمخالفة النظام.
قد تكون حركة عودة النازحين السوريين إلى وطنهم النقطة الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن ينظر إليها اللبنانيون في المشهد السوداوي الحالي. لكن ” المطلوب الإستفادة من هذه النتائج على الأرض واستكمالها بخطوات عملانية على مستوى حكومة تصريف الأعمال ومفوضية شؤون اللاجئين بحيث تبادر الأولى إلى الطلب من الأمم المتحدة إقفال ملف النازحين السوريين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بعدما سقطت كل الذرائع الإنسانية والإقتصادية وإعادتهم إلى مكان آمن مقارنة مع الوضع الأمني المتدهور في لبنان وفتح ملف النازحين اللبنانيين الذين يقارب عددهم حتى اليوم مليون و600 ألف نازح خصوصا بعدما تحولت المنافسة من الوظيفة والعمل إلى مراكز الإيواء.وفي ما يتعلق بالنازحين السوريين السياسيين فهؤلاء لا يتجاوز عددهم الـ10 آلاف وهناك محاولات قائمة لإعادتهم إلى بلد ثالث”.
يشكل عدد النازحين في لبنان ثلث عدد السكان، وهذه سابقة تسجل في تاريخ دول العالم الثالث “من هنا ضرورة الإفادة من الوضع الميداني على الأرض والطلب من المفوضية العليا إقفال ملف النازحين السوريين في لبنان وتحويل المساعدات المالية والعينية إلى النازحين اللبنانيين.
لكن هل ثمة ضمانات لعدم عودة النازحين الذين خرجوا من لبنان عبر الطريق الدولية إلى بيروت أو إرسال مندوبين عنهم لقبض الأموال المخصصة لهم إضافة إلى الحصول على المساعدات العينية؟
” كل شيء وارد مادامت الحدود غير الشرعية مشرعة على الفوضى والفلتان وتخضع لسيطرة قوى غير شرعية. إلا أننا مقبلون على مرحلة دقيقة وحساسة فإذا ما تم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكلت حكومة، هذا يعني الذهاب حتما إلى تطبيق كافة القرارات الدولية ومن ضمنها إقفال كل المعابر غير الشرعية. وفي ما خص الأطفال الذين ولدوا في لبنان وما زالوا يحملون بطاقة مكتومي القيد فالخوف من المطالبة بتجنيسهم غير وارد، لأن القانون اللبناني لا يمنحهم هذا الحق وبالتالي لا يحق لهم نيل الجنسية اللبنانية”يختم الخولي.