Site icon IMLebanon

بعلبك – الهرمل تحت “الحصار”

كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:

قبل بضعة أيامٍ، عندما بدأت لجنة الطوارئ الحكومية عملية توزيع المساعدات العينية على المحافظات اللبنانية، وتحديداً تلك التي لجأ إليها النازحون، شملت الدفعة الأولى من الحصص الغذائية محافظات جبل لبنان والجنوب وعكار والبقاع، واستثنت بعلبك – الهرمل التي بقيت خارج خارطة التوزيع، رغم احتضانها أعداداً كبيرة من النازحين في مراكز الإيواء، ومن الصامدين في بيوتهم. وفي المقابل، غاب أي نشاط إغاثي في المنطقة، إذ «ذابت» فجأة جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في مشاريع غير مثمرة في أيام السلم، باستثناء بعض الجمعيات المحلية وحزب الله.

أهالي محافظة بعلبك – الهرمل والنازحون إليها باتوا فعلياً تحت حصار فرضه العدوان الإسرائيلي الذي لا تتوقّف غاراته عن استهداف البلدات والقرى على مدار الساعة. حصار حوّل المنطقة بدءاً من بعلبك وامتداداً إلى الحدود السورية إلى أرض «مقطوعة»، في ظلّ تخلّي الدولة بمؤسساتها وجيشها عن واجباتها تجاه أهل المنطقة، فيما رأس المال – كالعادة – جبان، والنتيجة أن هذه المنطقة الشاسعة بدأت تفتقد لمقوّمات الحياة وتشهد نقصاً في المواد الغذائية والأدوية والمحروقات وغيرها. فمنذ نحو 10 أيام، تمتنع الشركات المستوردة لكل هذه المواد عن التوجه إلى أبعد من منطقة زحلة. والنتيجة أنّ «غالبية المحال المتبقية في بعلبك والجوار بدأت تفرغ»، بحسب عضو لجنة الطوارئ في بلدية بعلبك، صبحي بلّوق، مؤكداً أن «لا بدائل عما ينقطع من بضائع». ويزيد الأمر صعوبة الغياب التام للدولة كلياً، فلا مساعدات ولا حتى «وساطة» لتأمين دخول بضائع إلى المحافظة، «وما يحصل عليه الناس من مساعدات يأتي من مبادرات فردية مثل تجمع شباب بعلبك، إلا أن ذلك لا يكفي ولا أحد يمكن أن يحلّ محل الدولة». ويلفت إلى أنه «منذ نحو عشرة أيام نتواصل مع المحافظة، إلا أننا لم نتلقَّ جواباً شافياً عن سبب استثناء المحافظة من أي مساعدات للنازحين وللصامدين في بيوتهم».

نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، يؤكد أن «الوضع في بعلبك ـ- الهرمل صعب جداً أمنياً، ومن المستحيل توصيل البضائع إليها لأن سلامة السائقين غير مضمونة». كما يضيف سبباً آخر لعدم دخول المنطقة يتعلق بـ»المحال التجارية هناك التي لا تفتح بشكلٍ منتظم، وإن فتحت فلساعة أو ساعتين في النهار، وهو ما يجعل التوصيل أصعب لاستحالة التنسيق بين إرسال الشحْنات وتسلّمها». وهذا ما يفسّر «تحفّظ» معظم الشركات في بيروت عن إرسال الشحنات إلى البقاع، بحسب بحصلي، لافتاً إلى أن التواصل مستمر من «طرف واحد»، إذ «يرسل التجار وأصحاب المحال في بعض مناطق البقاع الآمنة سياراتهم بصورة منتظمة إلى شركات التوزيع في بيروت للتبضع ويعملون على تغذية المناطق المجاورة بما تيسّر»، وفي الوقت نفسه توقّف «خطّ التوصيل» عند حدود البقاع الأوسط (زحلة والجوار وشتورا)، «وهذا الحل الوحيد الآن حتى تنجلي الأمور»، يقول بحصلي.

والأمر نفسه ينطبق على الدواء أيضاً، إذ توقّف معظم أصحاب الشركات عن إرسال مندوبين إلى الصيدليات التي لا تزال مفتوحة. ويشير الدكتور حمود الموسوي، أحد الصيادلة الصامدين في منطقة النبي شيت إلى أنه «منذ بداية العدوان، لم تتواصل معنا أي شركة، أمّا من تواصلنا معهم، فلم يتجاوبوا جميعاً». وأضاف أن بعض أصحاب المستودعات «غادروا نهائياً، ومن تبقّى طلب منا أن نحضر إلى زحلة أو شتورا وحتى إلى بيروت للحصول على طلباتنا». والأنكى أن «بعض الشركات تنصّلت من اتفاقها السابق معنا وباتت تطلب الدفع كاش وبعضهم يطالب بمستحقاته السابقة من دون السؤال عما نحتاج إليه».
المدير العام لوزارة الاقتصاد، محمد بو حيدر، يشير إلى أنه «جرى التوافق أخيراً مع المستوردين والتجار على حلّ منطقي هو أفضل الممكن، وهو أن يعمل هؤلاء على إيصال البضائع إلى أقرب نقطة آمنة يجري الاتفاق عليها، على أن يذهب أصحاب المحال إليها لتسلم البضائع»، لأن «أي تاجر لم يقبل بالدخول إلى البقاع، وأقرب نقطة وصلوا إليها بمساعدة من قيادة الجيش كانت البقاع الغربي، حيث أوصل اثنان من التجار الكبار قبل يومين بضائعهما إليها وإلى البقاع الأوسط». وإذ يؤكد بو حيدر على أن من واجب هؤلاء الوصول إلى كل المناطق، إلا أنه حتى اللحظة الراهنة «هذا ما يمكن فعله»، مشيراً إلى أن العمل جار على حل آخر مع المستوردين والتجار وأصحاب المستودعات لـ «توزيع المخازن»، على قاعدة تعميم «تجربة شركة فتال التي عملت على توزيع بضائعها على خمسة مستودعات يصل إليها أصحاب المحال، كلّ بحسب قربه منها».
جزء من المسؤولية تتحمّله أيضاً المؤسسة العسكرية التي يمكنها أن تلعب دوراً في إيصال ما ينقص المنطقة. وإن كان بو حيدر يشير إلى أن قيادة الجيش أبدت استعداداً للقيام بهذا الأمر «وقد قامت به في البقاع الغربي»، إلا أن أهالي بعلبك – الهرمل لم يلمسوا بعد شيئاً من هذا الاستعداد.

ما ينطبق على المواد الغذائية والدواء ينسحب أيضاً على المساعدات، إذ إن أحداً لا يريد المخاطرة بنفسه لإيصال المساعدات وتوزيعها، بحسب جهاد حيدر، أمين سر غرفة «إدارة المخاطر والكوارث» في المحافظة. وهو ما أشار إليه أيضاً رئيس لجنة الطوارئ الحكومية وزير البيئة ناصر ياسين الذي يؤكد أن هناك «مشكلة توصيل، ومنذ خمسة أيامٍ تقريباً لم نجد أحداً يوصل المساعدات». ويرجع حيدر السبب إلى أن «لجنة الطوارئ الحكومية تضع من ضمن البنود بند تفويض بتسلّم البضاعة، كلّ على مسؤوليته، أي إن المحافظة تتحمل مسؤولية البضاعة من ألفها إلى يائها، على أن تعمل على تفويض عمال وشاحنات لنقل البضاعة وتسليمها، ولكن لا يوجد أحد مستعدّ لهذه المهمة». وفي اليومين السابقين، جرت عدة اجتماعات تمّ بموجبها التوافق على أن «يقوم الصليب الأحمر بهذه المهمة» وفق ياسين.