IMLebanon

الجيش.. الإشراف على المرافق العامة تمهيدًا للسيطرة الشاملة

كتب أحمد الايوبي في “اللواء”:

مع بدأ سريان قرار قيام الجيش بتفتيش الطائرات في مطار الشهيد رفيق الحريري يبرز اتجاهٌ هام في استعادة سيادة الدولة على مرافقها الحيوية، وفي مقدّمها المطار، رئة لبنان ونافذته على العالم، حيث يأتي هذا القرار لضمان منع «حزب الله» من استخدامه للأغراض العسكرية والأمنية وسائر أشكال التهريب، وتالياً لإبقائه مُحَيَّداً عن الاستهداف الصهيوني، لنكون أمام مسارٍ جديد يضع الأمور في نصابها لناحية التأكيد بأنّ الجيش هو الضامن والحامي للبنانيين وليس أيّ جهة أخرى مهما علا كعبُها أو تضخّم حجمُها.

وبعيداً عن الخزعبلات السياسية وألعاب الخفة والأرانب التي اعتاد البعض إخراجها عند كلّ أزمة، غير أنّ المرحلة الراهنة التي انفتحت فيها أبواب جهنّم العدو على البلد بعد جهنّم الداخل التي دشّنها ميشال عون، لا يمكن مقاربتُها إلّا من خلال أفق جديد يؤدي في نهاية النفق إلى إبصار مشروع الدولة النور وإنهاء كلّ الاعتداءات عليها مهما بلغ شأنها.

معضلة سيطرة الحزب على المرافق العامة
ومع بدء الخطوات العملية لحماية المرافق العامة على يد الجيش، لم يعد هناك شكٌّ في أنّ «حزب الله» كان يهيمن ويسيطر على مساحات في مطار رفيق الحريري كما كان يسيطر على العنبر الخامس في مرفأ بيروت وعلى مساحات أخرى في المعابر البرية وهذا ما كان يوفر له ولشبكاته التجارية تهريب البضائع لصالح الاقتصاد الموازي الذي ضرب الاقتصاد الشرعي وأفقده القدرة على المنافسة العادلة.. وقد آن لهذه السيطرة أن تتفكّك وتنتهي، وينتهي معها مفعول الهيمنة الداخلية سواء في مواقع الدولة أو في مفاصل الاقتصاد.

ميقاتي ينجح جزئياً
لقد أثبتت الأحداث أنّ الجيش اللبناني هو المؤسسة الجامعة التي تشكّل الضمانة لجميع اللبنانيين والتي تحظى بثقة الخارج، ومن الواضح أنّ الاتصالات التي أجراها الرئيس ميقاتي على المستوى الخارجي أسفرت عن التوصل إلى معادلة مفادُها أنّ إشراف الجيش على حركة الطيران وتفتيش الطائرات والمتابعة لأوضاع الركاب، من شأنه أن يُبقي مطار الشهيد رفيق الحريري مُحَيَّداً وأن يسري هذا الأمر على مرفأي بيروت وطرابلس وسائر المعابر البرية مع سوريا، وهذا ما يُتوَقّع أن يحصل بشكل تدريجي مما يرفع منسوب السيادة الوطنية ويؤهِّل الدولة اللبنانية للمطالبة بوقفٍ لإطلاق النار مبنيّ على رؤية واضحة لتولّي الجيش اللبناني مسؤولية حفظ الأمن على سائر الأراضي اللبنانية من الجنوب حتى الشمال.

وفيما تستمر المواجهات غير المتكافئة جنوباً، يواصل العدو الإسرائيلي اجتياحه الجوي بلا رادع، حتى أنّ مسيّراته باتت تحلّق فوق رؤوس المواطنين في بيروت وبقية المناطق من دون أن يتصدّى لها «حزب الله» وكأنّه غير موجود.. بدأ رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يوسّع دائرة الصلابة في الموقف الحكومي الذي يمثّل الشرعية، وإن كانت مواقفه لا تزال في المساحة الحذرة نسبيا، بينما أخذ الجيش اللبناني المبادرة بدون إعلان حالة الطوارئ، وقام بضبطٍ واسعٍ للأوضاع الناجمة عن الانتشار الكبير للنازحين من الجنوب والبقاع.

الجيش واحتواء تحدّي النزوح
احتوى الجيش اللبناني الضغط الهائل عن نزوح كتل بشرية هائلة وصل تعدادها إلى مليون ومائتي ألف نازح لبناني إضافة إلى السوريين، وقام برغم جسامة الأعباء بحماية هذا النزوح ومنع عوامل الاحتكاك السلبية الناجمة عن ما ينتج عن مثل هذه الأوضاع، كما أنّه عمل على ضبط عناصر الاستفزاز من جميع الأطراف، ومن ذلك رفعُ صور على لوحات إعلانية للأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصرالله على مداخل القلمون – طرابلس وكذلك اليافطات التي رُفِعَت في منطقة جبل محسن وعالج قيام بعض الشبان السلفيين برفع يافطات مناهضة للتوجهات الشيعية في طرابلس.

نظام الأسد يلغي حصانات «حزب الله»
لقد بدأ النظام السوري، الحليف المفترض لإيران وحزبها في لبنان، تقييد حركة قيادات وعناصر الحزب على الأراضي السورية وألغى الخصوصية الأمنية لهذه القيادات، فلم تعد تستطيع الظهور والتحرّك بمواكب مسلحة كما أنّها لم تعد تتمكّن من عبور الحدود من خلال ما يسمّى «الخطّ العسكري» لذلك أصبح مسؤولو «حزب الله» يعبرون الحدود السورية – اللبنانية كمواطنين «عاديين» وليس كمسؤولين حزبيين، وهذا النموذج السوري «الحليف» ينبغي أن ينتقل إلى لبنان، فلم يعد مبرَّراً استمرار حصانة انتقال قيادات وعناصر «حزب الله» والأحزاب التابعة له بموجب البطاقات الأمنية أتاحت أيضاً لما يسمى «سرايا المقاومة» الانتشار في كلّ المناطق والتحرّك في إطار الصراعات الداخلية السياسية والأمنية لاختراق المناطق السنية وبعض الهوامش المسيحية.

من المفهوم أن تبقى مساحة الصراع مع العدو الإسرائيلي مدعومة من الدولة رغم أنّ «حزب الله» لم يحترم هذه الدولة ولم يُقِم لها أيّ اعتبار، لكنّ الانتشار المسلح لعناصره ولبقية الأحزاب التابعة له في سائر المناطق لم يعد مقبولاً، وربما أصبح من الضروري أن يتجه الجيش لضبط هذه التحركات لحماية المناطق اللبنانية على مستوى الأمن الداخلي وأيضاً لمنع إعطاء الذرائع للعدو فيستهدف أماكن هؤلاء كما يحصل في أكثر من منقطة، ومنها برجا والنويري.

لدى الجيش اللبناني مهمة تاريخية تتمثل في احتواء البلد مع الانهيار الحاصل لـ«حزب الله» في الداخل وتثبيت الثقة العربية والدولية به للحفاظ على تحييد المرافق العامة، وصولاً إلى إطفاء نار الحرب عبر جهوزيته لتولي زمام الأمور، ثم الانتقال إلى بناء الدولة ومؤسساتها على قواعد النزاهة والشفافية، وهذا ما يستدعي انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً يحظى بإجماع أغلب التكل النيابية، ويحظى باحترام الدول العربية، كما أنّه ليس خصماً لا لـ»حزب الله» ولا لإيران، بل هو عمادٌ للدولة في هذه الظروف العاصفة.

نجاحات متراكمة للعماد عون
كان عملُ الجيش، بقيادة العماد جوزاف عون، في المرحلة الماضية عالي المستوى ليس فقط في حفظ الأمن، بل بالتركيز على الأمن الاجتماعي، لذلك أطلق الحرب على زارعي وتجّار المخدِّرات في عقر دارها، وتحرّك  قسم التعاون العسكري – المدني بشكل متقدّم لمساعدة المجتمع الأهلي ودعم مشاريعه التنمية، وتدخّل لتشغيل عدد من المرافق المعطلة وخاصة في طرابلس، حيث كان الجهد الواضح لرئيس فرع مخابرات الشمال العميد نزيه البقاعي في تشغيل سوق الخضار الجديد وتحفيز الحركة السياسية للتركيز على مشاريع المدينة الضرورية والقابلة للتنفيذ.

احتوت قيادةُ الجيش الملفّ الأصعب وهو ملفّ الإرهاب من خلال إعمال سيادة القانون ومنع التعديات وطرد مجموعات المخبرين سيئي السمعة، وفتح أبواب الحوار مع دار الفتوى التي زارها العماد عون ليؤكّد مكانتها ومكانة طرابلس الرائدة البعيدة عن التطرف والإرهاب وهكذا انطوت صفحة معاناة أهل السنّة من الملاحقة باسم الإرهاب.

إنّ هذه التجارب المتراكمة تؤكد الحاجة الماسّة للجيش في مواقع القرار وفي المساعدة على إعادة بناء مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية، ليس على غرار ما فعله فؤاد شهاب، بل يحتاج لبنان إلى نموذج متجدّد أكثر قدرة وإفادة من التجارب المحلية والخارجية، لذلك فإنّ الأولى بكلّ القوى التي يعنيها إنقاذ لبنان من كلّ الاتجاهات أن تختصر الطريق وتذهب إلى انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية.