كتب شادي صعيبي:
في الحروب غير المتكافئة التي تنشب بين خصمين تختلف قوتهما العسكرية النسبية بوضوح، يصبح من شبه المستحيل تحقيق توازن فعلي في القوة وإرساء معادلات الردع وتوازن الرعب، حتى لو تم اللجوء إلى استراتيجيات وتكتيكات عسكرية تهدف إلى جَسرِ الفوارق، مثل حرب الشوارع أو الأنفاق أو غيرها من الأساليب. ولذلك، غالباً ما تتحول هذه الحروب إلى نوع من أنواع المقامرة.
وبغض النظر عن الخطط الدفينة لكل فريق ومن أطلق الشرارة الأولى، يبقى السؤال الجوهري: “هل أنت مع الحرب أم ضدها؟
إذا كنت تؤيد الحرب، فعليك أن تتوقع أنهاراً من الدماء وجرائم لا مثيل لها، ففي الحروب عبر التاريخ، لم تُحترم يوماً المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية، مما أدى إلى تعرض البشرية لمجازر وإبادات وتطهير عرقي. بالطبع، هذا ليس من باب التبرير، خصوصاً عندما تنحصر الخيارات بين نارين، بل هو واقع مؤلم يعكس حالة الإنسان منذ زمن قابيل وهابيل.
ومن هنا، لا يمكن لأي جماعة أن تتحدث عن الإنسانية والسلام وتنتظر أن تكون الخسائر البشرية والمادية “مقبولة” عندما يتعلق الأمر بقواعدها وبيئتها، ثم تفرح بالقتل، وتهلل للدمار وتحتفل بسفك دماء خصومها، لتعود وتندد بالظلم وقسوة وغطرسة العدو عندما يبادلها الرد، لأن هذا يمثل ازدواجية في المعايير.
إما أن نكون مع الحرب وإما ضدها.
يجب على جميع الأطراف التيقن أن الحرب ليست خياراً لتحقيق البطولات الوهمية، وليست غاية في ذاتها، بل يجب تجنّبها قدرَ الإمكان، وعلى الجميع الحذر من المُبرمَجين سيكولوجياَ على العنف وما تفرّع عنه.
وإذا كان ميزان العدل والحق لا يسمح لنا بأن نساوي بين الجلاد والضحية، وبين المدافع عن أرضه والمغتصب، وأمام مشاعر الرعب الجماعي التي تجتاحنا جميعاً جراء ما نشاهده، من المهم التأكيد أن السلام أعظم من الحرب مهما بلغت إنجازاتها الميدانية، وأنه رغم سوداوية المرحلة، لا بد من إيجاد زاوية للسلام، وأن الحرب سوف تتوقف عاجلاً أم آجلاً.
وإذا كنا نؤمن حقاً أن التاريخ قد علمنا دروساً حول ضرورة، الحفاظ على إنسانيتنا وكرامتنا من خلال احترام كرامة الآخرين، فإن هذا هو الوقت المناسب للوقوف ورفع أصواتنا، قبل أن ننزلق إلى الهاوية، ويجب ألا ننتظر أكثر من ذلك لأن حتمية السلام أهم وأعظم من نشوة الحرب.