IMLebanon

سعر صرف “مقاوم” تحت وطأة النيران… فهل يصمد؟

تقرير فراس صليبا:

ما بين العرض والطلب، والظروف السياسية والاقتصادية والنقدية والأمنية، تعايش اللبنانيون مع سعر صرف متقلب منذ الـ2019 حتى نيسان الـ2023، ولا ينسى أي لبناني كيف أصبح سعر الصرف، خبزاً يومياً، لا بل أكثر، هو المتقلب مع الساعات، كان حديث رأس الساعة، في محاولات لحدّ الخسارات التي تكبدها اللبنانيون جراء هذه الأزمة. إن هذه الأزمة، وسعر الصرف الذي كان يتقلب صعوداً أو هبوطاً بعد موقف سياسي واحد بسيط، غابت، لتعود وتطلّ برأسها على اللبنانيين مع اشتداد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بعد منتصف أيلول المنصرم. إذاً، ألا يزال سعر الصرف المستقرّ غير الثابت… “هشاً” أم سيصمد “مقاوماً”؟

قراءة في الاستقرار بعيداً عن الثبات… كيف؟

الليرة اللبنانية التي كابدت الكثير، تثير الكثير من الأسئلة حالياً، فكيف تحافظ على سعر صرف مستقر، بعد صيف قلّ سياحه في بلد السياحة، وبعد شبه توقف تام للدورة الاقتصادية إثر تطورات أمنية وداخلية خطيرة جداً بعد اعتداءات إسرائيلية غير مسبوقة، منذ منتصف أيلول؟ ظروف استثنائية جداً كانت لتجعل الدولار الواحد يساوي قيمة 6 أصفار بالليرة اللبنانية في أوج الأزمة، لكن الدولار الأميركي، يساوي اليوم، 89500 ليرة لبنانية، لماذا؟

في شرح لهذا الأمر، يعود الخبير الاقتصادي والمصرفي نسيب غبريل بالذاكرة، إلى أواخر عام 2022، حين حدث تراجع حاد بسعر صرف الليرة اللبنانية ليبلغ 141 ألفاً، وبعدها بمنتصف آذار من العام 2023، قرر المصرف المركزي اللبناني التدخل بشكل مباشر لوقف هذا التراجع وقام بشراء كميات كبيرة من الليرة، وضخ الدولار في السوق، ساحباً من السوق 22 تريليون ليرة ومقلصاً حجم الكتلة النقدية المتداولة بنسبة 30%.

وفي تفصيل للأحداث، يكمل غبريل تعداد الخطوات والأسباب التي أدت الى استقرار اليوم، في حديث لـ”IMLebanon”، قائلاً إن قرار المركزي بوقف تمويل الحكومة وعجز الموازنة العامة وطلبه من الحكومة إيجاد مصادر تمويل كما تعديل وزارة المال سعر استيفاء الضرائب والرسوم ليصبح موازياً لسعر الصرف في السوق السوداء في حينها، خطوات بدأ سعر صرف الليرة بالتحسن بعد اتخاذها، ليصل إلى 89500 في آخر أسبوع من تموز الـ2023 لحد اليوم.

وفي وصف لهذا الاستقرار، مقارنة بظروف اليوم، يعطي غبريل أمثلةً حول عدد من الصدمات الأمنية التي كان من شأنها أن تؤثر على سعر الصرف كحادثة كوع الكحالة ومعارك عين الحلوة كما وقوع البلد في الشغور الرئاسي والحكومة في حالة تصريف الأعمال، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة سياسية لتطبيق الإصلاحات تعيد الثقة، وكلها لم تؤثر على استقرار سعر الصرف.

ويقول، “بدأت حرب غزة، وبعدها جبهة الاسناد من جنوب لبنان، واليوم الحرب الإسرائيلية على لبنان، وسعر الصرف مستقر”.

ويسهب غبريل في شرحه، قائلاً “بعد منتصف أيلول المنصرم، لا يزال سعر الصرف مستقراً لأن مصرف لبنان حافظ على سياسية تقليص الكتلة النقدية بالليرة اللبناني في الأسواق بهدف حدّ الطلب على الدولار وعدم خلق مضاربة على سعر الصرف، كما أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري اتخذ إجراءات لملاحقة المضاربين على سعر الصرف. بالإضافة إلى أن رواتب الموظفين بالرغم من تحويلها بالليرة اللبنانية إلى حسابات الموظفين المصرفية إلا أنه يتم سحبها بالدولار”.

كما يشدد على أهمية دولرة الاقتصاد التي حصلت، معتبرها سبباً مهماً، “اذ إن معظم المعاملات التجارية تتم بالدولار بالتالي لم يعد هناك طلب على الدولار في السوق”.

مستقرٌ… إلى متى؟

صحيح أن سعر الصرف مستقر، لكن تحت وطأة إطلاق النار، إلى متى تحافظ الليرة على قيمتها الحالية؟ في إجابته، يعدد غبريل إجراءات إضافية اتخذها المركزي لضمان الاستقرار، وأولها “اتخاذ إجراءات لضخ مبالغ إضافية بالدولار في السوق اللبنانية اذ قرر في أوائل تشرين الأول، إتاحة إمكانية سحب شهرين إضافيين للمستفيدين من التعاميم 158 و166، وتوسيع شريحة المستفيدين من التعميم 166، بالتالي من كان بإمكانه سحب 400 دولار يسحب 1200 دولاراً أميركياً، مساعداً بذلك المودعين في الظروف الراهنة، ومعززاً قدرتهم الشرائية. ويشير إلى أن هذا الأمر، أدى إلى ضخ سيولة تتراوح بين الـ130 والـ150 مليون دولار شهرياً.

“تجار الأزمات”

من ضمن الإجراءات أيضاً، محاربة محاولات التلاعب بسعر الصرف، إذ لم تخلو الفترة المنصرمة من ظهور منصات متلاعبة من جديد، لكن غبريل يؤكد، أن “المركزي والقوى الأمنية كانت لها بالمرصاد واوقفتها عند حدها”.

ويوضح، “هناك تجار أزمات يستفيدون من المضاربة وحققوا أرباحا طائلة في السابق، لكن المركزي اتخذ قرار مواجهة هؤلاء. كما قام بسحب الليرة اللبنانية من السوق فخُفضت القدرة على المضاربة وخُفض الهامش بين سعر الصرف في السوق الموازية وسعر الدولار على منصة”.

“الكتلة النقدية مضبوطة، والمركزي لا يسمح بضخ الليرات ويجفف السوف”، يقول الخبير الاقتصادي، مشدداً على أنه بقدرة المركزي تجفيف الليرة من السوق إذا أراد، إذ ان الكتلة النقدية بالسوق بالليرة اللبنانية توازي 580 مليون دولار في حين ان احتياطي المركزي بالعملات الأجنبية بحسب أرقام أيلول بلغ 10.7 مليار دولار. هذه الكتلة النقدية بالليرة توازي 6% من احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية بالتالي باستطاعته، ان دعت الحاجة سحب الكتلة النقدية بالليرات اللبنانية من السوق.

ماذا لو طالت الحرب؟

“الوضع اليوم مختلف عن السابق اذ اولاً سعر الصرف مستقر لكن غير ثابت، والاقتصاد مدولر”، يقول غبريل، سائلاً “كيف يمكن أن يزيد الطلب على الدولار في اقتصاد مدولر؟”.

ويوضح أن “الفائدة بين المصارف (Interbank rate)، وصلت للـ140%، مما يشير إلى أي درجة يقيد المركزي الليرة اللبنانية بالأسواق ليحافظ على الاستقرار، لكن لا احد يعلم كم تطول الحرب والمركزي يعمل من ضمن إمكاناته وصلاحياته”.

558 مليون دولار شهرياً

للمغتربين دوماً دور حيوي يلعبونه، إذ ان لتحويلاتهم التي بلغت في الـ2023، 6.7 مليار دولار، ما يعادل 558 مليون دولار شهرياً، دور كبير في استقرار سعر الصرف، اذ تضخ الدولار في السوق وتدعم القدرة الشرائية.
ويوضح غبريل، أنه “من خلال التجربة والدراسات في البلاد التي تعتمد على تحويلات المغتربين، ترتفع وتيرة وقيمة هذه التحويلات في أوقات الأزمات”.

عجز الحكومة يهدد الاستقرار؟

يعتبر غبريل، أن وقف الحرب ضرورياً لضمان استمرار الاستقرار، لكنه يشير أيضاً إلى أن ارتفاع إيرادات الحكومة في الـ2023 والـ2024، لغاية آب، وتحقيق فائض؛ واقع قد يتغير تحت الظروف الحالية، وقد ترتفع نفقات الحكومة وتتراجع الإيرادات مقارنة مع توقعات الحكومة، ويسأل، “هل تلجأ الحكومة للاستدانة من مصرف لبنان؟”.

ويتابع، “ان حصل هذا الامر وحدث عجز بالموازنة حينها تطرح علامات استفهام كثيرة حول سعر الصرف”.

ويختم الخبير الاقتصادي، حديثه قائلاً، “لكن بسبب سياسية المركزي التي طلبت من الحكومة تامين إيراداتها، أصبح لدى الدولة ودائع عند المركزي بقيمة 5.7 مليار دولار، وقد تضطر لاستعمال هذه الودائع، والمركزي يتعاون مع الحكومة ومع وزارة المال لكن هذا التعاون يحده استقرار سعر الصرف وعدم تعريضه للخطر”.

وهنا يبقى السؤال، هل يؤدي تدحرج الأحداث السياسية والأمنية، وطول أمدها، بظل غيابات خطط وتطبيق إصلاحات، إلى الإطاحة بسعر الصرف في المرحلة المقبلة؟