كتب منير الربيع في “الجريدة الكويتية”:
كثّفت إسرائيل ضرباتها على لبنان أمس مستهدفة مجدداً ضاحية بيروت الجنوبية بعد أيام من تحييدها، ومدينة النبطية في جنوب لبنان، غداة رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي وقف لإطلاق النار «أحادي الجانب» في لبنان إذا كان لن يمنع «حزب الله» من إعادة تشكيل صفوفه في المنطقة الحدودية، وذلك رداً على اعلان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» أنه لا شيء يعيد سكان شمال إسرائيل الى مناطقهم الحدودية سوى وقف إطلاق النار، رافضا التفاوض على أي شروط مسبقة، بما في ذلك، انسحاب عناصر الحزب من الحدود.
يأتي ذلك، في حين تتكرر عبارة استعادة سيناريو الحرب الإسرائيلية على غزّة في لبنان. مشاهد كثيرة يحاول الإسرائيليون استعادتها من ضرب البنى التحتية، والمجازر في صفوف المدنيين، والمدن الكبرى وتدمير كل المؤسسات كما يحصل في الجنوب وتحديداً في النبطية، وهو ما يمكن أن يحصل في أي منطقة أخرى طالما أنه لا أحد قادر على لجم نتنياهو، الذي يقول إنه يريد ضرب أهداف «حزب الله» على كل الجغرافيا اللبنانية، ومن غير المعروف إلى أين يمكن أن تصل الغارات والاستهدافات وإذا كانت ستشمل المزيد من المنشآت المدنية والرسمية والمرافق الأساسية.
في الموازاة أهداف كثيرة يعلنها الإسرائيليون لحربهم، أولها إعادة سكان المستوطنات الشمالية. ثانيها، إنشاء حزام أمني لبضعة كيلومترات. ثالثها، تفكيك قدرات «حزب الله» العسكرية. رابعها تغيير الوقائع العسكرية والسياسية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.
سابقة النبطية وجنون الغارات
ونفّذت طائرات حربية إسرائيلية سلسلة غارات على مدينة النبطية التي تعتبر معقلا لـ «حزب الله» وحليفه حركة أمل، استهدفت إحداها مبنيين تابعين لبلدية النبطية واتحاد بلديات محافظة النبطية، خلال اجتماع لخلية الأزمة التي تتابع تداعيات الحرب، ما تسبّب في مقتل خمسة أشخاص، بينهم رئيس البلدية أحمد كحيل.
وزعم الجيش الإسرائيلي أنه نفّذ «سلسلة غارات استهدفت عشرات الأهداف الإرهابية لحزب الله في منطقة النبطية» تشمل «بنى تحتية ومراكز قيادة للحزب ومخازن أسلحة واقعة بالقرب من بنى تحتية مدنية».
وندّد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بالغارات الإسرائيلية التي قال إنها استهدفت عن «قصد» اجتماعا للمجلس البلدي في المدينة. كذلك ندد نواب وقوى سياسية ومنظمات حقوقية وأخرى تابعة للامم المتحدة بالهجوم.
وشن الطيران الحربي مئات الغارات امس بطريقة جنونية استهدفت مئات المواقع، ولم تسلم سوى قرى قليلة في جنوب الليطاني من الغارات التي استهدفت كذلك مناطق في البقاع. وافادت معلومات بان اسرائيل استهدف قائد «قوة نصر» التابعة لـ «حزب الله» بغارة عنيفة على بلدة جويا.
قصف بيروت
في ضاحية بيروت الجنوبية، استهدفت غارة جوية صباحا منطقة حارة حريك بعيد توجيه الجيش الإسرائيلي نداء لإخلاء مبان فيها بغضون دقائق.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه ضرب مخزن «أسلحة استراتيجية» تابعا للحزب في الضاحية. ولم تضرب إسرائيل الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية منذ 10 الجاري، عندما أسفرت ضربتان بالقرب من وسط المدينة عن مقتل 22 شخصا وهدم مبان بالكامل في حي مكتظ بالسكان.
وجرى تداول معلومات ان واشنطن اقترحت وقف قصف بيروت مقابل وقف قصف حيفا ثالت مدن إسرائيل واكبر مدينة في الشمال. لكن يبدو ان ذلك تغير بعدما نفذ «حزب الله» هجوما معقدا بمسيّرة على ثكنة تدريب للواء غولاني للنخبة في جنوب حيفا، اسفرعن مقتل 4 جنود واصابة العشرات.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي أمس الاول، إن مسؤولين أميركيين أكدوا لبلاده أن إسرائيل ستخفف حدة ضرباتها على بيروت وضاحيتها الجنوبية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر أمس الأول، إن الولايات المتحدة عبرت عن مخاوفها لتل ابيب بشأن «نطاق وطبيعة حملة القصف التي شهدناها في بيروت خلال الأسابيع القليلة الماضية».
العملية البرية وصواريخ الحزب
وبراً، تواصلت المعارك العنيفة على الحافة الحدودية الجنوبية في القطاعات الثلاثة للحدود: الغربي والاوسط والشرقي. وتوغل الجنود الاسرائيليون، أمس، في القطاع الاوسط من ناحية الشرق على محور بليداـ محيبيب – ميس الجبل ومن ناحية الغرب في منطقة القوزح بعد ان حققوا اختراقات في راميا. ونشر الجيش الاسرائيلي فيديو لتفجبر ما قال إنه نفق في بلدة محيبيب.
وأتى الانفجار على حي سكني كامل يقع على تلة. وحسب المعلومات لا يقوم الاسرائيليون حتى الآن بإمساك الارض بل يتوغلون لتطهير المنطقة الحدودية من البنى التحتية العسكرية لـ «حزب الله» ثم يعودون، في وقت يواصلون شن الغارات لتحويل المنطقة الحدودية بالكامل الى ارض محروقة.
وهذا ينسجم مع التقارير التي افادت بأن إسرائيل تسعى للتوغل في لبنان بعمق 3 كيلومترات، مع نية تحويل هذه المنطقة إلى «منطقة محروقة». وأضافت التقارير أن الجيش الإسرائيلي سيستمر في السعي لإقامة منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات، على أن تكون المنطقة الواقعة بين الـ3 والـ10 كيلومترات تحت مسؤولية قوات اليونيفيل والجيش اللبناني.
في المقابل، قال «حزب الله» إنه تصدى لدبابات اسرائيلية في عدة نقاط حدودية وأوقع ضحايا مؤكدة، كما اطلق الحزب طوال ليل الثلاثاء ـ الاربعاء ويوم امس رشقات صواريخ على صفد (شمال) ومناطق عدة في الجليل.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أمس إن أي مفاوضات لوقف إطلاق النار ستجرى «تحت النار». وأضاف خلال تفقده قوات قرب الحدود مع لبنان إن «حزب الله في محنة كبيرة»، مضيفا أنه «من خلال التحقيق مع عناصر حزب الله الأسرى اكتشفنا معلومات لم نكن نعرفها من قبل وسنستغلها قريبا». وقالت مصادر اسرائيلية إن القوات الاسرائيلية اسرت اكثر من 5 مقاتلين في «وحدة الرضوان» بينهم قيادي. وكانت اسرائيل نشرت ما اسمته « اعترافات» لأحد مقاتلي حزب الله اسرته في بليدا.
معركة البقاع وسيناريو مصياف
الى ذلك، التطورات التي حملتها الأيام الماضية تتجلى بإطلاق صواريخ بالستية من البقاع باتجاه تل أبيب، وذلك بعدما كان الأمين العام الراحل للحزب حسن نصرالله قد أعلن إطلاق مسيّرات من البقاع باتجاه مواقع إسرائيلية، من شأن ذلك أن يفتح معارك جديدة على جغرافيا واسعة، خصوصاً أن الكثير من المواقع والأنفاق في البقاع لا يمكن للطيران أن يطالها أو يحقق إصابات تؤدي إلى تدميرها، ما يفترض أن ينقل المعركة إلى مستوى آخر. وهو تنفيذ عمليات مشابهة لعملية مصياف لأجل تفكيك هذه المنشآت والصواريخ. وفي سبتمبر الماضي، نفذ الجيش الاسرائيلي انزالا جوياً في منطقة مصياف السورية حيث قام بتدمير مصنعاً للأسلحة حسبما افادت تقارير اميركية.
سورية وطرق الإمداد
كما تواصل اسرائيل العمل على هدف قطع طرق الإمداد لـ «حزب الله» من سورية إلى لبنان، إما من خلال عمليات القصف، أو من خلال فصل الجغرافيا اللبنانية عن السورية، والسيطرة على نقاط أساسية ومرتفعات يتمكن الإسرائيليون من خلالها من السيطرة النارية على الكثير من الطرق الأساسية. في محاكاة مماثلة لمحاولات فرض وقائع عسكرية في الجنوب من خلال التوغل البرّي، إذ يهدف الإسرائيليون جنوباً في هذه العمليات التي يخوضونها حالياً الى السيطرة على تلال مرتفعة مثل تلة العويضة، بلدة محيبيب، وذلك لكشف الكثير من الطرق والوديان التي تعتبر ممرات أو مرتكزات استراتيجية للحزب ولا سيما وادي الحجير.
الأمر نفسه يريدون تكراره على الحدود الفاصلة ما بين لبنان وسورية، بالإضافة إلى استكمال إطباق الحصار. في هذا السياق، تندرج التحركات الإسرائيلية في القنيطرة والجنوب السوري من الخاصرة الشرقية للبنان، وعمليات تفكيك الألغام، ورفع السواتر والتجريف وتوغل القوات من هناك، ربما باتجاه بعض المناطق اللبنانية، كالاتجاه نحو بيت جن المقابلة لبلدة شبعا وبذلك يكون الإسرائيليون قد عززوا توغلهم البري من جهة القطاع الشرقي، كما يمكن أن يتوغلوا أكثر في العمق السوري باتجاه البقاع الغربي أيضاً لإحكام الطوق على الحزب، مادام الهجوم البرّي المواجه من القطاعات الغربي، الأوسط والشرقي مستمرا، بالإضافة إلى إدخال البوارج البحرية في المعركة لإطباق الحصار أيضاً من جهة الغرب وللكشف على الكثير من الممرات والطرق الآمنة لـ «حزب الله». وكان الجيش الإسرائيلي اعلن امس للمرة الأولى ان بوارجه البحرية شاركت في القصف على جنوب لبنان.