IMLebanon

قلق من تغيير ديموغرافي جنوب لبنان

 

كتب ناجي شربل وأحمد عزالدين في “الأنباء”:

لم يخف أركان السلطة في لبنان ومسؤولون عرب وأجانب، قلقهم من إصرار إسرائيل على إحداث تغيير ديموغرافي في جنوب لبنان، بدفع شريحة ما من طائفة معينة (الطائفة الشيعية)، إلى مغادرة بقعة كبيرة توازي ربع مساحة لبنان جغرافيا، فضلا عن تدمير ثلث الضاحية الجنوبية لبيروت ذات الكثافة المعروفة من أبناء هذه الطائفة، وضرب أمكنة عدة في البقاع وخصوصا الجزء الشمالي منه.

وبعد تدمير قرى وبلدات حدودية مواجهة، واستثناء قرى وبلدات حدودية مسيحية بتدخل مباشر من الفاتيكان عبر الكاردينال بيترو بارولين مع السلطات الإسرائيلية، مضى الجيش الإسرائيلي في فرض تهجير قسري من النبطية، بضرب المدينة التي تشكل مركز الثقل في المحافظة والجنوب. وبات الوجود السكاني الكثيف محصورا من ساحل مدينة صور البحرية، بعد تهجير قرى القضاء، وصولا إلى الزهراني والغازية. ولا يستطيع أحد إعطاء ضمانات بتفادي التعرض لهذا الساحل.

في المقابل، يواجه مقاتلو حزب الله بعناد وإصرار محاولات الاقتحام الإسرائيلية وتثبيت نقاط للجيش الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، وتقتصر العمليات الإسرائيلية على توغل محدود قصير المدة، ثم العودة إلى نقاط الانطلاق دون تثبيت مواقع في الداخل اللبناني. إلا ان الواقع على الأرض يشير إلى وضع الجنوب تحت الحصار، وجعله أرضا محروقة تخاض فيها حرب استنزاف، وتاليا تغيب في ظلها مقومات الحياة.

وتجهد السلطات الرسمية اللبنانية، ومعها قيادات تمثل شرائح كبرى في طليعتها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لمحاولة حصر الأضرار، وعدم المساس بالجغرافيا المناطقية، في ضوء تفاقم النزوح وبلوغه أرقاما كبيرة، لا طاقة للبنان على تحملها، وهو الذي رزح تحت ثقل النزوح السوري منذ 2012، فكيف الحال في مساحة تضيق بالنازحين من أهل البلاد، وفي مناطق تشهد حساسيات ويستعيد أهلها ذكريات غير محببة من حرب أهلية أحرقت البلاد بين 1975 و1990، وسبقتها إضرابات قوضت النظام وهزته وصولا إلى الانهيار الكبير في 13 نيسان 1975.

يجهد أهل الداخل اللبناني، وهم يدركون بوجود «فترة سماح» للآلة العسكرية الإسرائيلية، بذريعة القضاء على «حزب الله» والحد من نفوذه كسقف أدنى للعمليات الحربية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.

وعاد القلق ليخيم حول استمرار الحركة في مطار بيروت الدولي، في ضوء تحذيرات صادرة عن سفارات أجنبية كبرى لرعاياها من مزدوجي الجنسية (لبنانية وجنسية أخرى) الراغبين في المغادرة، بالإسراع في ذلك قبل يوم الاثنين المقبل. وإذ أكد مصدر رسمي رفيع هذه المعلومات، فقد ربطها في المقابل باحتمال توقف المطار عن العمل لساعات وأكثر، في حال ضربت إسرائيل إيران. ولم يسقط المصدر الرسمي احتمال فتح قاعدة القليعات الجوية أمام المسافرين «في حال دعت الحاجة إلى ذلك».

وقال مرجع نيابي لـ «الأنباء»: «وسط التجاهل الدولي للمطالبة اللبنانية بوقف إطلاق النار، هناك مسعى عربي قد يسهم في فتح الأبواب الموصدة لتجنب مزيد من الدمار وتحويل لبنان إلى غزة ثانية، من خلال أحزمة النار التي نفذتها إسرائيل خلال الأيام الماضية. ويبدو انها ماضية في هذا النهج مع سعي إلى إطالة أمد هذه الحرب لاستنزاف قدرات المقاتلين وزيادة الضغط على الدولة. وبعدما لجأت إلى إغلاق المعبر الأساسي بين لبنان وسورية في نقطة المصنع الحدودية بالبقاع، فإنها تشن الغارات في شكل دائم على الحدود الشمالية للبنان، لمنع أي محاولة لإدخال أسلحة».

وأضاف المصدر: «يضع التحرك العربي نصب عينيه السعي الى وقف إطلاق النار في لبنان أولا، ومن ثم العمل على اتفاق موسع يشمل لبنان وغزة، ويعد لتسوية قابلة للحياة وتؤمن الاستقرار على الحدود».

غير ان المصدر يرى «انه لا بد من ترقب مسار الوضع في المنطقة في ظل التأكيد الإسرائيلي والإصرار اليومي بالرد على الصواريخ الإيرانية التي استهدفت إسرائيل مطلع هذا الشهر»، مع توقع ان يحصل الرد الإسرائيلي قريبا.

وإدراكا لحجم الدمار اليومي الذي تحدثه الغارات الإسرائيلية في الجنوب والبقاع دون استبعاد عودتها إلى الضاحية الجنوبية، فإن تحركا سياسيا يتوقع ان ينشط خلال الأيام المقبلة، منطلقا من الأسس التي قام عليها نداء عين التينة الثلاثي والقمه الروحية في بكركي، والتي أكدت وحدة اللبنانيين بطوائفهم جميعا في مواجهة الأزمة.

وفي هذا الإطار، يأتي تحرك رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، الذي كان يركز منذ البداية ولا يزال على ضرورة ان يعود لبنان إلى اتفاق الهدنة الموقع العام 1949. ويرى جنبلاط فيه إطارا يمكن ان يضمن حدود لبنان الطبيعية ويؤمن الاستقرار على الحدود، من دون تعارض ذلك مع تطبيق القرار 1701، على ان تتم مواكبة هذا الأمر سياسيا بالتمسك باتفاق الطائف وتطبيق بنوده، بما يسهم في بناء سلطة مركزية غير قابلة للاهتزاز عند أي منحدر.

كذلك لوحظت حركة كثيفة للسفير الفرنسي هيرفيه ماغرو على خط عين التينة – السرايا.