كتبت ندى عبد الرزاق في “اللواء”:
مع اقتراب فصل الشتاء، تزداد مأساة النازحين في لبنان، حيث تتكشّف أمامهم مصائب جديدة في مراكز الإيواء التي تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة. في ظل ظروف قاسية أجبرتهم على مغادرة منازلهم، يجد هؤلاء أنفسهم في مواجهة تحديات متعددة، بدءا من نقص التدفئة ومرورا بغياب الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والحمامات. تجعلهم هذه العوامل أكثر عرضة للأمراض، وتضاعف من أعبائهم اليومية. بينما تتعالى الأصوات المنادية بتوفير المساعدات اللازمة، تظل الاستجابة الرسمية بعيدة عن تلبية احتياجاتهم الملحّة. ومع دخول الشتاء، يتحوّل هذا الفصل إلى تهديد إضافي لحياتهم، لتبقى صرخاتهم تبحث عن من ينقذهم من دائرة المعاناة المستمرة. في المقابل، تشهد البلاد، في هذه الأثناء، تدفق مساعدات إنسانية من عدة دول عربية، لكن هذه المعونات دون المستوى المطلوب لتلبية متطلبات النازحين.
وفي سياق متصل، أشار وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، ناصر ياسين في الساعات الماضية، إلى أن «عدد النازحين بلغ نحو مليون ومئتي ألف نازح حتى يوم أمس، وقد يرتفع إذا ما توسّعت الحرب». مؤكدا «ضرورة العمل من أجل إيجاد مخرج لأزمة النازحين قبل حلول فصل الشتاء»، آملاً أن تتوقف الحرب فورا وتزول المأساة».
التحدّيات أمام النازحين
يوضح النائب بلال عبد لله لـ «اللواء» أن «من أكبر التحديات التي ستواجه النازحين والجهات التي تعمل على مساعدتهم هي التدفئة، خصوصا في مراكز الإيواء غير المؤهّلة لتأمين مناخ دافئ، لا سيما لكبار السن والأطفال. لذلك، يعتبر هذا التحدي كبيرا ويتطلب مستلزمات متنوعة مثل المازوت وربما الغاز، في ظل غياب الكهرباء، بما في ذلك المدافئ الأخرى المتعددة الاستخدامات». لافتا الى ان «هذه المسألة ليست سهلة أبداً، بل على العكس، هي مهمة جدا إذا أخذنا بعين الاعتبار الانتشار الواسع للنازحين في أكثر من 1000 مركز إيواء».
ويضيف «ستزداد خلال فصل الشتاء حالات الأمراض التنفسية، والاستعداد للانتقال والعدوى في الأماكن المزدحمة بالمواطنين. وهذا ما شهدناه مع تفشي بعض الأمراض الجلدية المعدية وغير الجلدية أيضا».
ويشدّد على أن «هذا الأمر طبيعي، لا سيما مع صعوبة العناية بالذات وغياب الظروف الصحية اللازمة للاهتمام بالنظافة الشخصية التي اعتاد الأفراد عليها في حياتهم اليومية. ناهيكم بنقص المياه أحيانا وعدم توفر الحمامات والأوضاع المناسبة للعناية بالجسد. لذا، تعتبر هذه القضية مهمة مع بداية دخول فصل الشتاء».
مدى كفاية المساعدات
هل المساعدات التي وصلت إلى لبنان كافية لتلبية متطلبات النازحين؟ يجيب عبد لله موضحا: «يوجد بالطبع تقصير، وذلك لأن الجهد الاستثنائي بدأ وتركّز بناءً على سياسة الدولة في مراكز الاستضافة. هناك جهد استثنائي بُذل في هذه الأماكن، وأعتقد أنه تم قطع شوط كبير في تلبية بعض الاحتياجات فيها. إلّا أن النقص الأكبر يتمثل في أهلنا النازحين الذين لا يزالون صامدين في منازلهم أو في سكن غير مؤهّل وبدون فرش. وأظن أن المجهود سيَنْصَب بشكل أكبر على هذه الشريحة».
ويكشف عن أن «المساعدات التي وصلت غير كافية، وذلك بناءً على تواصله مع الجهات المعنية. كما أنها ليست بالحجم الذي يلبّي الاحتياجات، وقد تم فرزها للبدء بتوزيعها، لا سيما تلك التي أرسلها أهلنا العرب مثل الإمارات والسعودية وقطر والكويت والأردن ومصر». مضيفا، «أعتقد أن هذه الدول لن تبخل على لبنان في هذا الجانب، حيث ان هناك جسرا جويا مستمرا من عدة دول. لذلك، فإنه مع وصول العدد الأكبر من المواد الإغاثية أو المزيد من هذه المعونات، ستُغطى كافة الاحتياجات. لكن أعيد التأكيد على أن هذه المساعدات تظل غير كافية لتأمين حياة كريمة وآمنة لأهلنا النازحين الذين يعيشون في هذه المراكز أو المنازل غير المهيّأة».
جهود وزارة الشؤون
من جهتها، تقول مصادر رفيعة المستوى في وزارة الشؤون لـ «اللواء» «لقد بدأنا عمليا بالتحضير لاستقبال فصل الشتاء في مراكز الإيواء، وتعتبر وزارة الشؤون المسؤولة عن هذه المراكز. في المقابل، نتواصل مع جميع الجمعيات والمنظمات التي ترغب في تقديم مستلزمات معينة في مناطق لبنانية محددة، لا سيما في المناطق الجبلية التي يبلغ ارتفاعها 400 متر وما فوق».
وتضيف «نُعدّ مجموعة من الحلول لموضوع البرد، وهناك قضايا متصلة بتأمين المازوت والمدافئ التي تعمل على هذا النوع من الوقود، بالإضافة إلى مدافئ الغاز، فضلاً عن توفير السجاد حتى يتمكن الأهالي من الفرش والنوم، مما يقيهم من الصقيع».
وتكشف المصادر لـ «اللواء» عن «أن تفصيل الحلول سيتناسب مع احتياجات كل مركز إيواء وما يتطلبه من أدوات. فهناك، على سبيل المثال، بعض المدارس التي تحتوي على جهاز تدفئة مركزية، وبالتالي يمكن تزويدها بالمحروقات لتشغيلها، على عكس مدارس تفتقر إلى هذا النوع من السخانات».
وتختم، «نطرح جميع الحلول وقد أبدت بعض الجمعيات استعدادها لتمويل كل ما يرتبط بموضوع الشتاء».
محنة النازحين وحقوقهم
مع تصاعد حدّة الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب لله، يستمر ألم المهجرين الذين اضطروا الى ترك منازلهم في المناطق المعرضة للقصف الإسرائيلي. وفي هذا المجال، يتحدث حسين قبيسي، مواطن نازح من بلدة راميا الى خلدة، عن واقع الحياة الصعب الذي يواجهه وعائلته المكوّنة من 8 أفراد في ظل غياب الدعم الكافي. ويقول لـ «اللواء»: «أنا مستأجر شقة، ولكن لا تزال المساعدات الإنسانية ضئيلة وغير كافية لتغطية احتياجاتنا اليومية. كما ان هناك منصات مشبوهة كثيرة تستغل أوضاعنا وتعدنا بتقديم العون دون أن نرى شيئاً على أرض الواقع».
ورغم الظروف الصعبة، يؤكد أن النازحين لا يطالبون إلا بحقوقهم الأساسية من مأوى وغذاء ودواء، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى مزيد من المساعدات الحقيقية، وليس الوعود التي لا تُنفذ، فالوضع يزداد سوءاً ونحن بين مطرقة الحرب وسندان الإهمال».
من جانبها، تواجه السيدة دعاء، النازحة من بلدة تول الجنوبية صعوبات كبيرة في مركز الإيواء الذي تقيم فيه في الدكوانة. ومع اقتراب فصل الشتاء، تعبّر عن قلقها الشديد بشأن الظروف التي يعيشونها، خاصة في ظل نقص وسائل التدفئة اللازمة ومستحضرات العناية الشخصية والمعقمات. «لذلك، فان الوضع هنا صعب للغاية، والمكان غير مهيّأ لأدنى مقومات الحياة ونفتقد الى الحرية الشخصية، ونشعر وكأننا نقطن في سجن كبير مكتظ بالناس».
من جهته، يقول السيد مهدي، النازح من العديسة: «أخاف من انتشار الأمراض بيننا، حيث أن النظافة تعتبر تحدّيا كبيرا في المركز، كما نواجه نقصا في المياه، مما يصعب علينا الحفاظ على نظافة أطفالنا. الى جانب كل ما ذكرته، لا توجد حمامات كافية، وهذا يزيد من خطر الإصابة بالأمراض المعدية، لذلك نحتاج إلى دعم حقيقي من الجهات المعنية».
ويلفت أيضا إلى أن «الأوضاع الصحية تتدهور بسبب غياب الرعاية الطبية المناسبة، ويعاني الكثير من الأولاد وكبار السن من نزلات البرد وأعراض صحية أخرى. وعلاوة على ذلك، لا نستطيع الوصول إلى العلاج بسبب نقص الامدادات. نحن نعيش في ظروف إنسانية قاهرة، ونطلب من الجميع أن يسمعوا صرخاتنا ويعملوا على تحسين أوضاعنا قبل أن يأتي الشتاء ويزيد من معاناتنا».