IMLebanon

نتنياهو يهاجم فرنسا استباقيًا.. ما الهدف؟

كتب منير الربيع في “المدن”:

لم يكن افتعال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للخلاف الكبير والشخصي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالأمر التفصيلي والبسيط. لم يكن هدف نتنياهو فقط هو انتقاد المواقف الفرنسية، وهو ليس ناجماً عن ردّة فعل. بل يندرج ضمن سياق شامل وكامل، في التحريض على فرنسا وفتح دفاتر قديمة كثيرة تتصل بحكومة فيشي والتحالف مع النازيين لما يريد أن يحققه على مستوى سياسته الخارجية، ودفع الدول الغربية والأوروبية بالتحديد إلى جانب أميركا بالاستمرار في دعمه. الهدف الأبعد هو قطع الطريق على أي محاولة فرنسية للعب دور فعلي في سبيل وقف إطلاق النار في لبنان. خصوصاً أن باريس كانت تسعى مع واشنطن ومع طهران للدخول في مفاوضات حول كيفية إيجاد حلّ في لبنان على قاعدة تطبيق القرار 1701. وهو ما يرفضه نتنياهو بشكل كامل الذي يريد فرض تغيير الوقائع العسكرية بشكل كامل.

تحويل فرنسا إلى طرف
استغل نتنياهو انشغال الولايات المتحدة الأميركية بالانتخابات، لمواصلة الحرب وتوسيعها. يأتي ذلك في ظل محاولة باريس انتزاع دور أساسي وفعلي من الإدارة الأميركية للعب دور ديبلوماسي بين لبنان وإسرائيل سعياً وراء وقف النار. حّول نتنياهو فرنسا إلى “طرف” من خلال هجومه المتكرر عليها، خصوصاً بعد موقف ماكرون الداعي إلى وقف النار، والرافض لمشاركة إسرائيل في معرض عسكري، أو دعوته إلى وقف تزويدها بالسلاح. المساعي والمحاولات الفرنسية فيها تكرار لسيناريو ما بعد تفجير مرفأ بيروت، والدعوة إلى عقد مؤتمرين دوليين لمساعدة لبنان فلم يتحقق في المؤتمرين سوى بعض المساعدات الإنسانية. أما بالمعنى السياسي الفعلي فتسعى باريس إلى تنشيط دورها كوسيط لترتيب الوضع الحدودي، وهي التي كانت أطلقت مبادرة سابقاً بالتوازي مع مبادرة هوكشتاين لوقف النار، حينها رفضت تل أبيب المبادرة الفرنسية.

محاولة استعادة التفويض
عندما طرحت باريس المبادرة الفرنسية في 2020 لمعالجة الوضع اللبناني، كان دونالد ترامب في آخر أيامه الرئاسية؛ في حينها اتهمت فرنسا الإدارة الأميركية بإجهاض المبادرة وعدم نجاحها، بعد وصول جو بايدن إلى الرئاسة وتجديد الفرنسيين لمساعيهم السياسية في لبنان، اعتبرت فرنسا أنها حظيت بتفويض أميركي جديد لإنتاج تسوية، وهو ما تبين أنه تقديرات خاطئة. لم تنجح فرنسا بتحقيق أي هدف من أهدافها، ولم يعد الدور مقتصراً عليها بل أصبحت هناك لجنة خماسية، ولا أحد فيها قادر على فعل شيء خارج التصورات الأميركية. حالياً شارفت ولاية بايدن على النهاية، وتحاول باريس استعادة التفويض لكن كل المؤشرات تفيد بأن واشنطن غير قادرة على القيام بأي مسعى جدي، ونتنياهو يرفض الاستجابة إلى كل المساعي الفرنسية.

لا مجال للسياسة مع الإسرائيليين وخصوصاً مع هذه الحكومة، التي تتجلى فيها كل طموحاتها الدموية والتوسعية، أما الإدارة الأميركية فلم يعد لديها أي قدرة على التأثير ولعب أي دور على مسافة أيام قليلة من الانتخابات وهو ما يستغله نتنياهو إلى أقصى الحدود، بوصفه تعطيلاً كاملاً لأي إجراء أميركي يخص لبنان، فحتى المبادرات أو الدعوات لوقف النار هناك عجز في الإقدام عليها، بخلاف ما كان عليه الوضع في غزة. حتى بعد اغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار، لم يصدر الأميركيون موقفاً فعلياً داعياً إلى الانتقال نحو البحث الجدي في وقف الحرب، بل بالتركيز على فرض الإملاءات والاحتفال بما أسموه “تحقيق العدالة”.

مؤتمر باريس وخطة نتنياهو
مؤتمر باريس هدفه توفير مبلغ مليار دولار يحتاجها لبنان بشكل ضروري لزوم ظروف الإنعاش في ظل الحرب الطويلة؛ أما الهدف الآخر فهو حشد الدعم الكامل للجيش اللبناني، والتحضير للمرحلة المقبلة ما بعد الحرب. أما الهدف الثالث فيتعلق بإمكانية البحث بضرورة وقف إطلاق النار، علماً أن باريس لم تتلق جواباً رسمياً من الولايات المتحدة حول الحضور والمشاركة حتى الآن. ولكن على الرغم من المشاركة الأميركية إن حصلت، وأيدت الدعم للجيش ولغيره من المؤسسات، إلا أن ذلك لن يسهم في إرساء تصور ثابت وواضح لوقف النار، خصوصاً أن نتنياهو، الذي لم يستجب لكل الدعوات الأميركية سابقاً لوقف الحرب في غزة، لن يستمع لها على مشارف الانتخابات ويوقف النار في لبنان.

ليس لدى نتنياهو أي خطة فعلية سياسياً أو حول اليوم التالي، بل خطته الأساسية استخدام القوة إلى حدّها الأقصى والأبعد، في سبيل ضرب خصومه وإضعافهم من دون تكوين أي فكرة أو رؤية للوصول إلى خروج سياسي من هذه الحروب، أما كلامه عن تغيير وجه المنطقة فهو يعني الدعوة إلى مزيد من الخراب لأنه غير قادر على انتاج نظام سياسي إقليمي جديد وبديل عن ما هو قائم، خصوصاً أن مثل هذه النماذج لا يمكن أن تتحق بدافع القوة العسكرية، بل سينتج ذلك مشاريع اقتتال كثيرة أهلية، إلى جانب تفعيل أنواع جديدة من القتال ضد إسرائيل التي ترتكز على التهجير والتدمير وتغيير الديمغرافيات.