كتب منير الربيع في “المدن”:
يستذكر بعض اللبنانيين مسار الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. حينها، كانت أبرز تجليات “المفاوضات تحت النار” التي يتحدث عنها المسؤولون الإسرائيليون، والتي يرفضها حزب الله ولبنان بشكل كامل. كان فيليب حبيب هو المبعوث الأميركي الذي يفاوض اللبناني تحت النار، وحالياً يتكرر المسار مع المبعوث آموس هوكشتاين، الذي تلقى إجابتين واضحتين من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول ضرورة وقف النار وإعلان التزام إسرائيل بالاستعداد لوقف الحرب للدخول في التفاوض كي لا تتكرر تجربة المفاوضات السابقة، التي سبقت اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.
الحرب التي تأخرت
يعتبر الإسرائيليون أنهم يخوضون حرباً في لبنان تأجلت لسنوات، لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية تأخرت أيضاً لسنوات وعقود، ففي بالهم العودة إلى تكرار فرض أمر واقع عسكري وسياسي ينهي عمل منظمة التحرير الفلسطينية، ويكرّس سلطة سياسية تدخل في اتفاق سياسي أو اتفاق سلام أو بالحدّ الأدنى اتفاق أمني. حالياً يتكرر السيناريو نفسه مع التسريبات الإسرائيلية التي تطالب بحرية الحركة في الأجواء اللبنانية والتصرف عندما تقتضيه مصلحة تل أبيب. عملياً هذا التسريب هو أبلغ ردّ على مطالبة لبنان بتطبيق القرار 1701 كاملاً أو بحذافيره، إذ أن لبنان يشترط وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية من ضمن تطبيق القرار الدولي وهو ما لا يريده الإسرائيليون.
اتفاق أمني
المطلب الإسرائيلي يعني الدخول في اتفاق “أمني” على غرار ما تحاول إسرائيل فرضه في قطاع غزة حول سيطرتها الأمنية والعسكرية على القطاع. أما الهدف الأبعد فهو خلق بيئة “مسالمة” تتعادى مع أي عمل مقاوم. تجلى ذلك بوضوح في تصريح هوكشتاين من عين التينة عندما قال إنه يجب العمل على جعل هذه الحرب هي الحرب الأخيرة، وهو استخدم كلمة سلام أكثر من مرة في لقاءاته. وبحال لم يتحقق ذلك في السياسة فإن الضغط العسكري كفيل بتحقيقه إلى جانب الضغوط والتهديدات التي يتلقاها اللبنانيون، في محاكاة لمجريات الاجتياح في العام 1982.
في الثمانينيات كان المشروع واضحاً عسكرياً وسياسياً، هدفه فرض الأمر الواقع على الأرض. في تلك الفترة تم تخيير اللبنانيين بين بقاء الفلسطينيين بسلاحهم وتحمّل أعبائه وتبعاته، واليوم هناك من يكرر نفس النغمة حيال حزب الله، من دون ألأخذ بعين الاعتبار لبنانية حزب الله وبيئته وجمهوره.
ارادة الحزب ورغبات اسرائيل
هناك محاولات لإعادة المعادلة نفسها بالتهديد، والاستباحة الكاملة والتلويح بالمزيد من التصعيد والحصار، وذلك لتحقيق أهداف استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل، وبعيدة المدى، وهي التي تريد العودة إلى محطات تاريخية أساسية قبل سنوات عندما لم يكن لبنان منخرطاً بفعالية في الحروب العربية الإسرائيلية.
في وقت يريد حزب الله من خلال قتاله العودة إلى تثبيت معادلة نتجت بعد حرب تموز عام 2006، فإن إسرائيل تسعى إلى العودة نحو محطات عديدة، أولها خلق حزام أمني يحاكي فترة التسعينيات، ثانيها، العودة إلى ما يشبه اتفاق 17 أيار عام 1983. ثالثها، العودة إلى ما قبل اتفاقية القاهرة في العام 1969 والتي شرعنت الكفاح المسلّح. رابعها، العودة إلى فترة العدوان الثلاثي على مصر والذي كان لبنان في مكان حيادي عن هذا الصراع. خامسها العودة إلى اتفاقية الهدنة في العام 1949 والتي ينظر إليها إسرائيليون ولبنانيون بأنها الفترة الأفضل على صعيد “الاستقرار الحدودي”. إنها عودة في التاريخ إلى الوراء ضمن سياق تصور إسرائيلي أو رؤية مشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية لتغيير كل توازنات القوى على مستوى الشرق الأوسط.