كتب منير الربيع في “المدن”:
كل يوم إضافي من الحرب القائمة في المنطقة والقابلة للاتساع في أي لحظة، يجعل الحلول أبعد والوصول إلى تسويات غير ممكن إلا على خرائط سياسية وتوازنات جديدة. تمرّ منطقة الشرق الأوسط في ما يشبه مراحل إعادة التشكّل السابقة على مستوى الدول والأنظمة والوقائع السياسية. إنها حرب تريد فيها إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية إحداث تغيير كبير على مواقف الدول ومواقعها في المنطقة. هناك من يذهب إلى توصيف ما يجري بأنه مشروع أميركي قديم -جديد للمنطقة يُنفذ حالياً بعصا إسرائيلية غليظة، والهدف المباشر لهذا المشروع هو إيران ونظامها ودورها، ولذا أصبحت كل الوقائع تنتظر الردّ الإسرائيلي على إيران ورد الفعل عليه.
استراتيجية أميركا
من غير المعروف حتى الآن حقيقة الموقف الأميركي تجاه إيران ونظامها، وإن كانت الاستراتيجية الأميركية تهدف إلى إسقاط النظام أو تغيير سلوكه ومساراته. لكن المؤكد أن الأميركيين يعملون ضمن استراتيجية احتواء إيران وربما تطويرها لتصبح تحجيم النفوذ الإيراني في كل المنطقة. ومن أجل ذلك، تبدو سوريا ولبنان بوصفهما قاعدة الإطلالة على البحر الأبيض المتوسط، وعلى حدود إسرائيل والأردن، هما الهدف الأكبر في هذه المرحلة للمشروع الأميركي الذي يتقاطع مع مصالح بعض الدول العربية التي انتهجت سياسة استيعاب النظام السوري من خلال الانفتاح عليه وانطلاقاً من معادلة قديمة جديدة وهي استقطاب الأسد لإخراجه من الحضن الإيراني. ويبدو أن هناك قناعة لدى دمشق، أن شرط بقاء النظام يكمن في هذا التوجه بالتقارب مع دول عربية وسعياً وراء فتح قنوات مع الغرب، في مقابل ارتضاء وقبول إجراء إصلاحات سياسية معينة تقلّص من صلاحيات الرئاسة وتمنح بعض الحضور والفعالية لأجزاء من المعارضة عبر مشاركتهم في حكومة معززة الصلاحيات.
خوف على الأردن
من ضمن هذا المشروع وشروطه هو أن يخرج النظام السوري من معادلة وحدة الساحات، ولا يسمح بفتح مجاله البرّي والجوي لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، ويعمل على جدولة برنامج لإخراج القوات الإيرانية وحلفائها من الأراضي السورية، وهو ما تلاقيه الضربات الإسرائيلية وعمليات الاغتيال واستهداف المواقع والمقرّات، وقطع طرق الإمداد وصلات الوصل الجغرافية والسياسية والعسكرية. وهذا ما يقابله أيضاً مخطط أصبح واضحاً ومرسوماً للبنان بين إسرائيل وبعض الدول الغربية لإضعاف حزب الله وإنهاك قدراته العسكرية إلى حدود تعطيلها أو إنهائها لتحويله إلى حزب سياسي لبناني كسائر الأحزاب، بما يمهّد لخريطة سياسية جديدة في المشرق العربي خالية تقريباً من النفوذ الإيراني أو أن تكون بالحدّ الأدنى متلاقية مع المشروع الغربي، بما يمنح الأمن والإستقرار لإسرائيل وخلق بيئات آمنة في جوارها.
إلا أن هذا لا يستبعد الخطر على المملكة الأردنية بوصفها هدفاً إسرائيلياً لتنفيذ مشروع الترانسفير الفلسطيني من الضفة الغربية، وهو ما يراهن عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خصوصاً إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، علاوة على خطر التهجير الجماعي لسكان غزّة.
لبنان: التوازن الهش
بما يخصّ لبنان، فإن الطموح الأميركي والجموح الإسرائيلي يتلاقيان بلا شك مع رغبة لدول غربية وعربية عديدة، ومع قطاعات وفئات سياسية لبنانية مختلفة، في سعيها لإحياء توازن تقليدي سياسياً كما كان قائماً قبل انفلاش سطوة حزب الله الداخلية والخارجية والتي لطالما وصفها أمينه العام السيد حسن نصر الله بأنه التحول إلى “قوة مؤثرة في الإقليم”، ومحاولة لتعطيل قدرات حزب الله التي كانت مؤثرة إلى حدود بعيدة في تركيبة النظام اللبناني. من هنا يتوالد تخوف فعلي من الهشاشة الداخلية اللبنانية التي يمكنها أن تؤدي إلى صدام كبير يبدأ ولا ينتهي وغير مرغوب فيه، وهو ما يقلق الكثير من الدول الغربية والعربية، التي تبدي خشيتها من اعتماد سياسة كسر التوازن مع حزب الله أو استغلال الضغط العسكري لتحقيق أهداف سياسية كان تحقيقها متعذراً سابقاً.