IMLebanon

“سبايس 2000” سلاح إسرائيل الفتاك في حربها على حزب الله وحماس

تسبّبت غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء في انهيار مبنى كما لو أنه كان مصنوعا من ورق أمام عدسات مصوّري الوكالات العالمية. وفي هذه الغارة، استخدمت إسرائيل قنبلة موجهة من طراز “سبايس 2000″، التي عادة ما تعتمد عليها في ما تسميه هجماتها الدقيقة ضد حماس وحزب الله.

وبحسب خبراء، فإن الجيوش الحديثة باتت تضيف أنظمة التوجيه إلى قنابلها بهدف تقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين، وذلك رغم أن الأضرار قد تظل مدمرة، خاصة في المناطق المكتظة بالسكان.

ودخلت معدات التوجيه “سبايس” التي تنتجها شركة رفائيل الإسرائيلية للصناعات العسكرية، الخدمة منذ العام 2003. وتُثبّت هذه المعدات على قنابل تزن 125 كيلوغراما (سبايس 250) أو 450 كيلوغراما (سبايس 1000) أو 900 كيلوغرام (سبايس 2000)، ما يسمح للقنبلة بالسقوط على مسافة أقل من ثلاثة أمتار من هدفها.

في بيروت، كان مسؤول في حزب الله المدعوم من إيران يعقد مؤتمرا صحفيا في الضاحية الجنوبية الثلاثاء، عندما أعلن الجيش الإسرائيلي على لسان أحد المتحدثين باسمه عن الموقع المحدد للغارة التي سينفذها في منطقة الشياح القريبة، داعيا السكان إلى مغادرتها. وبعد دقائق، سمع مصوّرو فرانس برس الذين وصلوا إلى المكان صوت هدير قنبلة وهي تسقط أمام أنظارهم وتصطدم بالطوابق السفلية لمبنى مكوّن من حوالي عشرة طوابق.

كاميرا في مقدمة القنبلة

كانت خمس ثوان كافية كي ينهار المبنى بالكامل، على عكس المباني المجاورة التي بقيت على حالها، وسط سحابة كثيفة من الغبار والدخان الرمادي. ولم يوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لماذا تم استهداف المباني، باستثناء القول إنها كانت قريبة من “مصالح ومنشآت” مرتبطة بحزب الله.

وكشفت وكالة “أسوشيتد برس” أن قبل دقائق من سقوط القنبلة (الصاروخ) على المبنى، أطلقت قذيفتان أصغر حجما على السطح فيما يشار إليه عادة باسم الضربات التحذيرية، التي سبق وأن تم اتباعها في قطاع غزة. ومنذ استخدام هذا النوع من الذخيرة للمرة الأولى خلال حرب الخليج في العام 1991، اعتمدت حملات القصف الجوي على أدوات التوجيه المثبتة على القنابل.

إضافة إلى ما تقدّم، يمكن للطيار إطلاق القذيفة من مسافة آمنة قد تصل حسب الطراز إلى 125 كيلومترا، وذلك بفضل أجنحة صغيرة مرفقة بها يمكن أن تحوّلها إلى قنابل حائمة. “كلّما أطلقتها من مسافة أعلى، كان التأثير أكبر”، على حدّ تعبير جان كريستوف نويل الباحث المساعد في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

قنبلة سبايس التي يتمّ توجيهها بواسطة الأقمار الاصطناعية والمجهّزة بنظام ملاحة ذاتي، تحتوي أيضا على “نظام بحث كهروضوئي”، وهو نوع من الكاميرا المثبّتة في طرفها الأمامي. وعند الاقتراب من الهدف، يقوم هذا النظام بمقارنة صورة الهدف بالصورة المخزّنة مسبقا في برامجه، قبل الاندفاع نحوه.

ويوضح جريمي بيني، وهو خبير أسلحة في شركة معلومات الدفاع والأمن “جاينز” البريطانية، أنّ الصور التي التقطها مصوّرو فرانس برس هي لقنبلة “سبايس 2000” مع معدّات التوجيه الخاصة بها. ويشير إلى إنّ “هذا يجعلها دقيقة وغير قابلة للتأثّر بالتشويش أو بأي تدخل” في نظام تحديد المواقع العالمي “جي.بي.أس”.

ووفق بيني، فإنّ الكاميرا هي التي تميّزها عن مجموعات التوجيه الأميركية “جدامس” التي تستخدم إشارة القمر الاصطناعي ونظام الملاحة الخاص به للتحرّك. كذلك، حدّد شان شيخ، وهو خبير في الصواريخ في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية، لوكالة فرانس برس، نوع القنبلة على أنها من طراز “سبايس 2000”.

وتسمح النسخة الجديدة من سبايس 250 للقنبلة بالتحليق لمسافة “150 كيلومترا على الأقل” وفقا لشركة “جاينز”، وذلك بفضل إضافة جهاز دفع في الجزء الخلفي من القنبلة على غرار القنبلة الفرنسية الموجّهة ASSM Hammer .

تمّ تصدير معدّات التوجيه سبايس إلى الهند وكولومبيا وكوريا الجنوبية، وفقا لتقرير “الميزان العسكري” الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية. كذلك، بدأ إنتاجها منذ العام 2019 في الولايات المتحدة لتلبية الاحتياجات الأميركية بعد اتفاق بين شركة لوكهيد مارتن الأميركية العملاقة وشركة رفائيل.

وفي خريف العام 2023، أي بعد أسابيع على بداية العمليات الإسرائيلية ضد حركة حماس في قطاع غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل، وافقت الإدارة الأميركية على تزويد الدولة العبرية بمعدّات توجيه سبايس مُنتجة في الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 320 مليون دولار.

ذخائر أكثر فتكا

يقول موقع خدمة أبحاث الكونغرس إن الذخائر دقيقة التوجيه استخدمت في عمليات عسكرية أميركية، خاصة في أفغانستان والعراق وسوريا، مشيرا إلى أن جميع الأسلحة الأميركية التي استخدمت في الشرق الأوسط، منذ عام 2014، تقريبا كانت ذخائر دقيقة التوجيه، خاصة صواريخ “جدامس” وصواريخ هيلفاير. وبحسب تقرير نشر في موقع ذا كونفرزيشن، فإن استخدام صواريخ وقنابل موجهة أكثر دقة لا يعني تلقائيا خفض عدد القتلى بين المدنيين. فمن ناحية، لا تتعلق “الدقة” بحماية المدنيين بقدر ما تتعلق بجعل هذه الأسلحة “أكثر فتكا”.

تقول دراسة سابقة نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن الدقة تعني “قدرة القوات على تحديد المواقع، وضربها بدقة في الوقت المناسب، وتحديد ما إذا كانت الآثار المرجوة تم تحقيقها أو هناك حاجة إلى إعادة الضربة”.

لكنها تضيف أن الضربات الدقيقة تتطلب أكثر من مجرد أنظمة أسلحة دقيقة، فهي تحتاج أيضا إلى “القيادة القوية والتحكم والاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة، وهي ضمن عوامل تحدد نجاح العمليات تماما مثل السلاح المستخدم”. وتشير إلى أنه نتيجة لهذا الوضع، حدثت أخطاء في استهدافات سابقة في العراق وأفغانستان.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أقرت في أغسطس 2021 بأن 10 مدنيين أفغان قتلوا خطأ بصاروخ هيلفاير الموجه أطلقته طائرة أميركية من دون طيار من طراز “ريبر”. ويطالب المجتمع الدولي من إسرائيل بتقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين في غزة ولبنان، لكنها تتذرع بأنها تفعل ما يلزم من خلال استخدام الذخائر الموجهة.

ومنذ بداية الحرب في غزة، عقب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023 على جنوب إسرائيل وثقت كاميرات الوكالات العالمية مشاهد لانهيار مبان تشابه إلى حد قريب ما حصل في الشياح ببيروت، الثلاثاء. وارتبط القسم الأكبر من تلك المشاهد بخان يونس جنوبي القطاع، حيث أقدم الجيش الإسرائيلي على تدمير العديد من المباني الطابقية وبضربة واحدة أساسها صاروخ واحد.