كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
انتهى «المؤتمر الدولي من أجل دعم سكان لبنان وسيادته» بمجموعة من الوعود لمنح ومساعدات بما يناهز المليار دولار، في موازاة التشديد على دور الجيش اللبناني جنوبا في المرحلة المقبلة، قبل وقف إطلاق النار وبعده. ولئن تردد أن الجيش يحتاج إلى نحو مليار دولار للانتشار جنوبا والقيام بالمهام المتوقعة، لم تزد المساهمة الدولية له عن ٢٠٠ مليون دولار يُفترض أن تصرف، عند الإيفاء بها، لتطويع العدد الكافي لجعل انتشاره تامّاً انطلاقا من الحدود حتى نهر الليطاني، وهي منطقة العمليات التي ستكون مركز اهتمام دولي في المرحلة المقبلة ربطا بإلزامية تطبيق القرار ١٧٠١ بما ينطوي عليه من إفراغها كليا من السلاح.
وإذا كانت وعود مؤتمر باريس مرهونة بمدى استعداد الدول المانحة للإيفاء بالتزاماتها تأسيسا على شواهد عدة سابقة تخلّفت بها تلك الدول، يبقى جليا تسليم المجتمع الدولي باستمرار الحرب الإسرائيلية على لبنان وغياب أي جهد حقيقي لوقفها. يعود هذا الواقع إلى تسليم غير خفي بأهداف تل أبيب المتمثّلة بالقضاء على الترسانة العسكرية لحزب الله، بما يعني حكما تقليص تأثيره السياسي في الدولة ومؤسساتها. هذا يعني أن ثمة تمهيدا لتكريس معادلات جديدة تختلف فيها التوازنات اللبنانية، وربما تؤسّس لتغييرات في بنية النظام بما يتناسب مع هوية المرحلة السياسية الجديدة.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقصّد تمرير ٣ رسائل في افتتاح المؤتمر الذي رعاه شخصيا:
أ-لام المسؤولين اللبنانيين على «استجلاب حروب الآخرين إلى لبنان». وهذا الواقع ليس ممارسة مستجدة بل دأب طويل منذ أن ارتضوا تأجير أنفسهم لتصفية حسابات الدول على أرضهم.
ب-إتّهم إيران بتوريط حزب الله في الحرب «بينما المصلحة الوطنية العليا كانت تقضي بالبقاء بعيداً عن حرب غزة». وهذا الإتهام سيكون له ما له في العلاقة بين باريس وطهران، المتأزمة أصلا.
ج-إتّهم نتنياهو، من غير أن يسمّيه، بـ «الهمجية» بذريعة حرب الحضارات، وحمّله المسؤولية عن إفشال مبادرته المشتركة مع الرئيس الأميركي جو بايدن والتي أطلقاها في أيلول الفائت بهدف وقف الحرب ووافق عليها لبنان، وتحديدا الأمين العام للحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله.
لا ريب أن هذا الموقف سيزيد عمق الخلاف بين الرجلين. إذ ردّ نتنياهو على هذا الضغط الفرنسي، كما على الإلحاح الأميركي بتحييد المدنيين والحد من الغارات على بيروت، بمزيد من التصعيد في الضاحية الجنوبية وباستمرار سياسة الأرض المحروقة جنوبا. كما تقصّد إهمال الطرح اللبناني الذي نقله إليه هوكستين والقائم على نشر الجيش في الجنوب تمهيدا لتطبيق القرار ١٧٠١. ونُقل عن مقربين من رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه كان ينتظر ردا من هوكستين على خريطة الطريق التي تقدّم لها، فإذا بنتنياهو يردّ في الميدان عبر تدمير مزيد من المدن والقرى اللبنانية.
سبق لهوكستين أن رسم مسارا شديد الاقتضاب لتطبيق كامل للقرار ١٧٠١ وصولا إلى وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وليس فقط وقف الأعمال العدائية. وهذا المسار هو الحدّ الأدنى المقبول دوليا لوقف الحرب الإسرائيلية. ويقترن تنفيذ القرار بملحق يشتمل على آلية تطبيقية مفصلة، بما يؤدي إلى الغرض منه وتفادي العثرات والثغرات التي حالت سابقا من كلا الجانبين دون تطبيقه. من شأن هذه الآلية، في حال أقرّت، تفادي إصدار قرار جديد في مجلس الأمن قد لا يكون من جهة ميسّرا توافر إجماع الأعضاء، ومن جهة ثانية قد يؤدي إلى إثارة حساسية لبنانية غير مرغوبة راهنا. وكلا العاملين لن يؤديا سوى إلى إطالة النقاش، واستطرادا أمد الحرب والمآسي الحاصلة.
وكان لافتا إعلان هوكستين أن واشنطن تعمل «مع حكومة لبنان ودولة لبنان وكذلك حكومة إسرائيل للتوصل إلى صيغة تنهي هذا الصراع فورا وإلى الأبد»، بما يعني البحث في ترتيبات حدودية وفي المنطقة جنوب الليطاني لمعالجة مسألة سلاح حزب الله، في موازاة ترتيبات عند الحدود المقابلة بغية وقف الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية وحلّ النقاط البرية المتنازع عليها. وترمي واشنطن من وراء توازي الصيغ هذه إلى إرساء معادلة ثابتة يقبل بها الجانبان وتوفّر استقرارا مستداما لأجيال، وتؤمن البيئة المناسبة لعمليات إنتاج الغاز، وتؤسس لأمن طاقوي إقليمي مستقرّ لعقود مقبلة.