كتب منير الربيع في “الجريدة”:
بعد الضربة الإسرائيلية على إيران، تتحرك المفاوضات والمساعي الدبلوماسية مجدداً بقيادة أميركية في الدوحة حول غزة، وفي إسرائيل حول لبنان، من خلال الزيارة التي يقوم بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين اليوم، وفي حال حقق خروقات ونتائج إيجابية يمكن أن يتوجه إلى لبنان لإتمام الاتفاق.
شروط هوكشتاين واضحة ومعروفة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري يقول إنه اتفق معه على تطبيق القرار 1701 كاملاً، فيما يتحدث الأميركيون عن إيجاد «مراسيم تطبيقية» توضح آلية تنفيذ هذا القرار، بمعنى تجنّب الاتجاه نحو تعديل القرار أو إصدار قرار جديد في مجلس الأمن الدولي، لتعذّر ذلك بسبب «الفيتو» الروسي والصيني، وكيلا تكون واشنطن مضطرة للتفاوض مع روسيا والصين في هذه المرحلة. جزء من المراسيم التطبيقية تشتمل على شروط إسرائيلية قاسية، خصوصاً أن نتنياهو قال قبل الضربة على إيران إنه واهم من يعتقد بوقف إطلاق النار، وشدد على «تحرير» لبنان من نفوذ إيران وحزب الله.
وهنا ستتركز المفاوضات الأميركية والإسرائيلية على مسألة ضمان أمن إسرائيل بسحب سلاح حزب الله، وستكون لذلك صيغ كلامية متعددة، كاستخدام مصطلح انسحاب الحزب إلى شمال نهر الليطاني، أو حصر السلاح بيد الدولة، وصيغ أخرى.
ويريد الإسرائيليون استغلال الضغط الأميركي لتحقيق أهدافهم بالسياسة، في حال لم يتم تحقيقها عسكرياً، خصوصاً أن حزب الله يواصل القتال بشراسة، ويعتبر، إلى جانب بري، أن صمود المقاتلين في الجنوب وإلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين هو أبرز أوراق القوة التي يستخدمها لبنان في مفاوضاته، وستدفع هوكستين لإقناع الإسرائيليين بالتخلي عن مواصلة العملية البرية.
تطويق إيران
جزء من هذه المفاوضات لا بُد أن يحصل مع إيران، التي تسعى إسرائيل إلى تطويقها في لبنان وسوريا، مع الوصول إلى استهداف الأراضي الإيرانية، حتى وإن كانت الضربة محدودة ومدروسة ومضبوطة ومنسّقة، فالإسرائيليون سيتفاوضون من هذا المنطقة، خصوصاً أن أهم ما قيل في بيان الجيش الإسرائيلي هو الحديث عن القدرة على التحرك في أجواء إيران، وبمعنى أوضح أن الإسرائيليين يريدون القول إن كل عناصر الردع الإيرانية غير فعّالة، وأن تل أبيب قادرة على التحرك بأريحية لاحقاً في حال كان هناك بنك أهداف مختلف داخل طهران، وفي حال فشلت المفاوضات.
عملياً، لا بد من انتظار الجولة التفاوضية الجديدة، ومعرفة الشروط الإسرائيلية وكيفية التعاطي معها أميركياً وإيرانياً. واشنطن وطهران تستعجلان الوصول إلى اتفاق وإلى وقف لإطلاق النار، بخلاف نتنياهو الذي لا يريد إعطاء أي تنازل أو ورقة قبل الانتخابات الأميركية، ففي حال فاز ترامب يعتبر نتنياهو أنه ربح فترة أطول في مواصلة الحرب وتصعيدها، أما في حال فوز كامالا هاريس، فإنه حينها سيصعّد لفرض واقع عسكري معيّن يفاوض بناء عليه، في حال مارست هاريس ضغوطاً كبيرة عليه لوقف الحرب.
اليوم التالي
في موازاة التحرك الأميركي، تتحرك جهات غربية عديدة على خط نقل الرسائل إلى إيران وممارسة الضغوط، إضافة إلى النقاش في أفكار متعددة حول صيغ الخروج من هذه الحرب ووضع مسار اليوم التالي. ومعلوم أن المساعي الأميركية والغربية تغيّر الوقائع السياسية والعسكرية في لبنان، وهو ما يجري التفاوض حوله مع إيران، بينما إسرائيل تواصل تكثيف عملياتها العسكرية وغاراتها كنوع من السعي لتحسين شروط حلفائها التفاوضية.
وهناك أفكار كثيرة تطرحها دول عديدة في استعادة لتجربة المفاوضات عام 2006، هناك اقتراح يتعلّق بإدخال القوات المتعددة الجنسيات لضبط الأمن والاستقرار في الجنوب، فيما تطالب إسرائيل بحريّة الحركة العسكرية والأمنية لحماية أمنها، ولضمان عدم عودة حزب الله إلى جنوب «الليطاني» بسلاحه، مع اعتماد صيغة أو مصطلح جديد، وهو إدخال قوات لصناعة السلام وليس لحفظ السلام، وهذا أمر مرفوض لبنانياً، كما أن دولاً كثيرة ترفض إرسال جنود لها إلى لبنان.
استهداف تل أبيب
ميدانياً، أعلن «حزب الله» أنه قصف للمرة الأولى منذ بدء التصعيد مع إسرائيل قبل عام، قاعدة تل نوف الجوية جنوب تل أبيب بعدد من المسيّرات الانقضاضية.
كما أعلن الحزب استهدافه برشقة صاروخية «قاعدة ميشار، مقر الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة الشمالية»، قرب مدينة صفد في شمال إسرائيل، مشيراً إلى أن صواريخه أصابت أيضاً جنودا ببلدة عيتا الشعب.
في المقابل، فجّر الجيش الإسرائيلي، أمس، منازل سكنية في بلدة عديسة.
كما قام بتفجير كمية من الذخيرة عن بُعد، استولى عليها من «حزب الله»، مما استدعى إصدار تحذير من زلزال بقوة 4.9 درجات بشمال إسرائيل ولبنان وسوريا والأردن.
إلى ذلك، شدد الناطق باسم «يونيفيل»، أندريا تيننتي، على أن «جنود حفظ السلام يواصلون عملهم الأساسي المتمثل في مراقبة ما يحدث على الأرض، ورفع التقارير رغم التحديات». وقال: «ما زلنا في كل مواقعنا، ونعني بذلك كل موقع من هذه المواقع».