جاء في “الراي”:
بعد 25 يوماً تخللتها مداولات مكثفة سياسية وعسكرية أفضت إلى تحديد أميركي لـ«السقوف» مع «بلاغات مُسبقة» عبر وسطاء، ردّت إسرائيل على إيران بقصف مواقع عسكرية، في ضربات بدت «مُهندسة بدقة»، بحيث تجعل كل الأطراف رابحة وراضية، ولا تُفضي إلى توسع الصراع في الإقليم.
وعلى الرغم من الحديث الإسرائيلي عن «رد شديد وقاسٍ» على الضربات الصاروخية التي وجّهتها إيران للدولة العبرية في 1 تشرين الأوّل الجاري، إلا أن ما جرى لم يكن كذلك، بل كان محسوباً بدقة وبرعاية أميركية جليّة، بحيث يسمح لإسرائيل بالقول إنها نفذت وعيدها ولإيران بالتقليل من أهميته، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض التصعيد والحؤول دون الدخول في دوامة من الردود والردود المضادة.
وبالنظر إلى المعطيات الأولية لما بعد الضربات التي شنتها إسرائيل فجر السبت وما تلاها من ردود، يمكن إيراد 5 معطيات أساسية كفيلة برسم المشهد الكلي:
1 – إسرائيل أعلنت أن أكثر من 100 طائرة ومُسيّرة شاركت في الضربات «الدقيقة والموجهة»، على 3 دفعات، وأنها طالت نحو 20 موقعاً في محافظات طهران وخوزستان وإيلام، وبذلك يمكنها القول إن ردها كان واسعاً وليس ضعيفاً.
2 – إسرائيل أعلنت أنها قصفت أنظمة دفاع جوي وقواعد الصواريخ والطائرات المسيّرة ومواقع إنتاج الأسلحة، وبذلك حيّدت المنشآت النفطية والمواقع النووية، وكذلك الشخصيات السياسية والعسكرية، واكتفت بمواقع عسكرية، كما فعلت إيران عندما قصفتها في الأول من أكتوبر.
وفي هذا المعطى، بعثت تل أبيب رسالة لطهران بأنها لا تريد التصعيد، وأرضَتْ واشنطن التي كانت تخشى هجمات أوسع وأكثر قوة.
3 – لم توضح إسرائيل مسار طائراتها الحربية التي قطعت ما لا يقل عن 1500 كيلومتر للوصول إلى الأراضي الإيرانية، فيما أعلنت طهران أن الهجمات الإسرائيلية تمت من خارج الأجواء الإيرانية، في إشارة إلى أن الطائرات الإسرائيلية لم تخترق أجواء البلاد.
4 – أفادت تقارير أميركية بأن إسرائيل أرسلت رسائل إلى إيران، عبر أطراف ثالثة، قبل الغارات، «وأوضحت مسبقاً ما الذي ستهاجمه بشكل عام وما الذي لن تهاجمه»، وهو ما سمح عملياً بتفادي وقوع الكثير من الضحايا، إذ أعلنت طهران عن سقوط قتيلين فقط من العسكريين، وأن دفاعاتها الجوية تصدّت بنجاح للهجوم وأن بعض المواقع تعرضت «لأضرار محدودة».
5 – بالنظر إلى «محدودية» الضربات، لم تُسارع إيران إلى إلزام نفسها بالرد، بل اكتفت بتأكيد أنها تملك «الحق والواجب في الدفاع عن نفسها ضدّ الأعمال العدوانية الأجنبية»، في حين أعلنت إسرائيل، بالتوازي، أن «المهمة أُنجِزَت»، وإن كانت هددت بضربات جديدة إذا ردت إيران عليها، معتبرة أنها باتت «تتمتع بهامش تحرك أوسع في أجواء إيران».
في المحصلة، خرج الكل «راضياً» من جولة التصعيد، وتبيّن أن «المهندس» الأميركي يبقى صاحب اليد العليا في ضبط الوضع بالمنطقة، من خلال انتهاج سياسة تقوم على الترغيب والترهيب، في ظل التقارير التي كشفت عن «جوائز ترضية» أُعطيت لإسرائيل كـ«مكافأة» لموافقتها على «هندسة الضربات».
للمرة الأولى… يلتزم نتنياهو بضوابط واشنطن
أكدت مصادر أميركية التزام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوجيهات الإدارة الأميركية، خلال الرد الإسرائيلي على إيران، وذلك للمرة الأولى منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأوّل 2023.ونقلت وسائل إعلام عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية أن الرئيس جو بايدن وفريقه للأمن القومي عملوا مع الإسرائيليين خلال الأسابيع الماضية لتشجيعهم على رد يتسم بالتناسب والدقة، وهذا ما تحقق فجر السبت.وأضاف أن بايدن ناقش الوضع مع نتنياهو، الأسبوع الماضي، وحثه على اتخاذ إجراءات تردع الهجمات على إسرائيل، مع الحرص على تجنب المزيد من التصعيد، وهو هدف مشترك بين الطرفين.وأكد المسؤول أنه في حال ردت إيران، فإن الولايات المتحدة مستعدة تماماً للدفاع عن إسرائيل، وأن إيران ستواجه عواقب نتيجة أي هجوم آخر، معتبراً أن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون خاتمة للتبادل المباشر للضربات بين الجانبين.