جاء في “الأنباء الإلكترونية”:
لم يكُن ينقص لبنان واقتصاده المُنهك وكيانه الهشّ سوى مرتبة “رمادية” جديدة تُضاف إلى سلسلة أزماته، بعد إدراجه رسمياً على القائمة الرمادية، وفق ما أعلنت مجموعة العمل العمالي FATF، وبالتالي فإنَّ البلد بات من الدول الخاضعة لتحقيق خاص ومراقبة مشدّدة بغية المباشرة بمعالجة أوجه الضعف الإستراتيجية.
وفي السياق، اعتبر الخبير الإقتصادي الدكتور أنيس أبو ذياب أنَّ هذا التطوّر لا يصب في صالح اقتصاد لبنان بطبيعة الحال، إنما يأتي بمثابة خطوة ربما تدفع بالبلد نحو القائمة السوداء حيث يكمُن الخطر الحقيقي، لافتاً إلى أنّه لم يكن مفاجئاً وضع لبنان على القائمة الرمادية، إذ منذ 18 شهراً تقريباً بدأت “FATF” تحذّر لبنان من مغبة إدراجه لأسباب عدة منها نقدية ومالية، بالإضافة إلى تلك ذات الطابع القضائي والتشريعي.
أبو ذياب ذكّر في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية أنَّ آخر تحذير للبنان كان في شهر أيار من العام الحالي، عندما صدر تقرير بأن البلد ملتزم بـ34 توصية من أصل 40، بينما مجمل هذه التوصيات تتعلّق بالسياسة النقدية، مشيراً إلى أنَّ المشكلة الأساسية بدأت في العام 2019 حيث انهار القطاع المصرفي، وتم تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد نقدي، وهي عملية تحويل أموال تخضع لرقابة من خارج رقابة القطاع المصرفي كما هيئة الرقابة المصرفية ممّا يعيق الاقتصاد ويُفعّل التهمة المنسوبة للبنان بتحويله من اقتصاد قائم فعلي إلى اقتصاد يسهّل تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
وإذ رأى أبو ذياب أنه كان ممكناً تفادي هذا الأمر عبر إقرار القوانين المتعلّقة بمكافحة الفساد وضبط الحدود والتهريب عبرها، موضحاً أنَّ الأفراد لن يتأثروا بهذا الإجراء، على عكس التجار إذ سيُصبح من الصعب فتح الاعتمادات وهو ما سينعكس سلباً على حركة الاستيراد إنما لن يُساهم ذلك في توقف العملية بل ستتم تحت رقابة فعلية ومشددة، كما أن القائمة الرمادية ستعيق عملية استقطاب رؤوس الأموال وهو ما سيؤثر حتماً على إعادة النهوض بالاقتصاد اللبناني، بحسب رأيه.
ميدانياً، لا تزال الأمور تراوح مكانها بحيث تشهد المناطق البقاعية والجنوبية خصوصاً قصفاً مكثفاً ودماراً هائلاً في ظلّ الاستهداف المستمرّ من قبل العدو، فيما سجّل 19 شهيداً و108 جرحى في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة بحسب تقرير لجنة الطوارئ الحكومية. كما عادت الغارات لتستهدف الضاحية الجنوبية التي شهدت ليلة جديدة من القصف المعادي.
في الأثناء، وبعدما تصدر الرد الإسرائيلي عناوين الصحف، تتوجه الأنظار نحو إيران في ظلّ تساؤلات عدة حول ما إذا كانت سترد الصاع صاعين أم أنَّ ضربة إسرائيل ستمرّ مرور الكرام لدى الجانب الإيراني.
في السياق، أشار العميد المتقاعد هشام جابر إلى أنَّ الرد الإسرائيلي كان مرتقباً ومنتظراً من قبل العالم أجمع، بعد مساعٍ من الولايات المتحدة الأميركية الهادفة إلى تخفيف وطأة الضربة قدر الإمكان، مشيراً في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية إلى نجاح أميركا بإقناع إسرائيل بتجنّب المفاعل النووية أو المنشآت النووية والنفطية، كما الابتعاد عن المنشآت الاقتصادية الكبرى، والتركيز على الأهداف العسكرية.
جابر رأى أنَّ إسرائيل ضخمت من مفاعيل هذه الضربة، فيما الجانب الإيراني سخّف من شأنها، قائلًا إننا لم نرَ تأثير الطائرات المئة التي قالت إسرائيل إنها استخدمتها في الرد، إذ حتى الساعة لم يتعدَ عدد الإصابات الخمس، أما على الصعيد العسكري فلم يتبيّن حجم الخسائر في إيران حتّى الآن.
وختم جابر مستبعداً أيّ ردّ إيراني على الضربة الإسرائيليّة، معتبراً أنه طالما تقول إيران إن الأضرار طفيفة يعني أنها لا تريد الردّ، بالرغم من التهديدات، ما يشير إلى كونها ابتلعت هذه الضربة، أمّا إذا أرادت الردّ لاحقاً فإنه قد يكون بواسطة حلفائها ووكلائها في المنطقة.
بالمحصلة، لا مؤشرات توحي بإيجابية على خط حلحلة قريبة وإن كانت المساعي قائمة باتجاه وقف إطلاق النار وآخرها اليوم في الدوحة، إلّا أنها تبقى جهوداً لم تُثمر حتّى هذه اللحظة، فيما الوقت اليوم لبنانياً للتضامن الداخلي والكفّ عن انتظار الخارج لحلّ الأزمة المستعصية.