كتب غاصب المختار في “اللواء”:
من غير الواضح بعد ما إذا كان الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين سيزور لبنان في حال زار تل أبيب كما تردد، ويُقال إن ما سيحمله الى الكيان الإسرائيلي وما سينقله الى بيروت في حال زارها، قد يكون نمطاً جديداً من الاقتراحات والتطمينات والوعود حول آليات وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وعودة النازحين من طرفي الحدود، وذلك ربطاً بما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي من وقف الحرب والعمليات البرية عند قرى الجنوب، بعد الفشل الذريع في اقتحام أي بلدة والاكتفاء بتدمير منازل الحد الأمامي عند الخط الأزرق، وبعد تمسّك لبنان الرسمي بموقفه الصلب برفض كل الطروحات الإسرائيلية – الأميركية السابقة والتي جاءت على حساب حقوقه ومصالحه الوطنية والاستراتيجية.
وفي حين ذُكِرَ أمس أن وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن بحث ونظيره البريطاني ديفيد لامي في لندن في مساعي الحل الدبلوماسي في لبنان وغزة، فهذا يعني ان ثمة اقتراحات جديدة فرضها الميدان يجري التداول بها لنقلها الى طرفي الحرب في لبنان. ذلك ان المساعي السابقة اصطدمت بتعنّت إسرائيلي واضح وتصعيد ميداني خطير، وبارتفاع وتيرة عدد ونوعية عمليات المقاومة وارتفاع خسائر جيش الاحتلال في الجنود والعتاد، وكذلك ارتفاع عدد الشهداء المدنيين في غزة ولبنان والتدمير المنهجي، ما أربك حسابات كل الاطراف المعنية في إسرائيل، وأيضاً في اميركا وحلفائها المشتغلين على مساعي وقف الحرب.
ويبدو ان لهجة قادة كيان الاحتلال قد خفتت قليلاً مع خسائر الميدان اللبناني والعمليات الأخرى المساندة في داخل فلسطين المحتلة ومن العراق واليمن، فقال أمس وزير الدفاع الإسرائيلي: «ليس كل هدف يمكن تحقيقه بعملية عسكرية يجب أن نتوصل إلى تسويات مؤلمة وإعادة المخطوفين». كما قال وزير الحرب يوآف غالانت: «أن إعادة الأسرى ستتطلب منا تسويات مؤلمة»… وهذا الكلام قد يكون مؤشراً على تراجع كيان الاحتلال عن شروطه التعجيزية لوقف العدوان على غزة وتالياَ وتوازياً على لبنان ما لم يقرر رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو عكس ذلك والاستمرار في التصعيد طالما انه «خاسر خاسر» عملياً في حال وقف الحرب.
لذا لا بد من انتظار زيارة هوكشتاين الى تل أبيب وبيروت ليتبيّن ما الذي اتفق عليه الوزير بلينكن مع نظيره البريطاني وغيره من مسؤولين عرب وأجانب، وكيف سيتم التحرّك الجديد وما هي طبيعته ومضامينه. ويبدو ان خسائر العدو في الجنود والآليات خلال الأيام القليلة الماضية، والكلام الإسرائيلي عن «أيام سوداء في الشمال»، وتلاها كلام رئيس أركان جيش الاحتلال هاليفي عن قرب انتهاء العملية البرية، وكلام أميركي يوحي بحصول مقاربات سياسية ودبلوماسية جديدة لوقف الحرب في غزة وتالياً في لبنان، مؤشر على احتمال أن يكون هناك شيء جديد ما سيتبيّن في ضوء ما سيحمله هوكشتاين ويتقرر بناء عليه مسار الأيام أو الأسابيع المقبلة. هل يتوقف الهجوم البري والقصف الجوي أم يستمر رئيس حكومة العدو في مكابرته ويتلقّى مزيداً من الضربات؟
انها مسألة أيام قليلة قبل بدء الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، وتشكيل إدارة جديدة سواء مع دونالد ترامب أو كامالا هاريس، فيغادر هوكشتاين مركزه الى عمله الجديد في الامارات العربية المتحدة بعدما ارتبط بعقد كمستشار في شركة البتروكيماويات «ادنوك»، ويتم استبداله بموفد آخر أو ربما بطريقة تفاوض دبلوماسية أخرى، تكون أسرع وأفعل بعدما بات خيار استمرار الحرب عبثياً ولا نتائج له كما يتمناها الإسرائيلي والأميركي برغم الاغتيالات والمجازر التي قام بها.
وعلى هذا ثمة من يرى ان زيارة هوكشتاين لو تمّت ستكون الأخيرة والوداعية، لكنها قد تكون «فرصة تاريخية» له إذا تمكن من تحقيق الخرق المطلوب في جدار الحرب للوصول الى تسوية عادلة ترضي كل الأطراف ويعود كل طرف بعدها الى «متراسه»، بإنتظار جولة جديدة ربما من العنف أو مرحلة من الاستقرار متوسط أو طويل الأمد وليس النهائي المرتبط فقط بحلّ عادل لقضية الشعب الفلسطيني.