كتب منير الربيع في “المدن”:
رغم انشغال لبنان بسبل وقف العدوان الإسرائيلي، أحيا تركيز الوسطاء على مرحلة اليوم التالي بعد الحرب، المبادرة الكويتية – العربية التي طرحت في 2022 عشرة شروط للخروج من الأزمة، أبرزها تطبيق القرارات الدولية وحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة وضبط الحدود والمعابر.
صحيح أن المفاوضات حالياً تتركز على مسألة وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب، وهو ما لا يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنها أيضاً تشتمل على التفكير والبحث في مرحلة ما بعد الحرب، ليس فقط في غزة بل في لبنان، وربما سورية خصوصاً في ضوء التركيز الإسرائيلي المتجدد على الوضع السوري والتهديدات ضد حكومة دمشق التي أطلقها الوزير المنضم حديثاً للحكومة الإسرائيلية جدعون ساعر، الذي أكد وجوب التحرك الإسرائيلي في سورية لإخراج إيران من هناك، ولو اقتضى ذلك إسقاط النظام.
لا ينفصل ذلك عن العمل الميداني الذي يقوم به الإسرائيليون من خلال عمليات قصف واستهداف لمواقع تابعة للإيرانيين، أو قطع طرق الإمداد لحزب الله، أو من خلال التوغل البرّي في محافظة القنيطرة، فهذه التحركات يراد لها أن تفرض وقائع سياسية جديدة في دمشق لاحقاً.
من هنا أيضاً، فإن المفاوضات في أحد جوانبها تتركز على مسألة اليوم التالي للحرب لبنانياً، ومدى مقبولية واستجابة اللبنانيين للتعاون مع هذه القوى الدولية والعربية، خصوصاً أنه بالمعيار السياسي الدولي الحالي، لا تبدو القراءة متطابقة مع قراءة حزب الله، الذي يراهن على الميدان ووقائعه وظروفه وإلحاق خسائر في صفوف الإسرائيليين لتغيير المسار العسكري ودفع تل أبيب إلى التراجع والعودة إلى ما كان عليه الوضع ما قبل الحرب. بالنسبة إلى القوى الإقليمية والدولية، فليست الوقائع على الأرض هي التي ستغيّر المعادلة أو القرار كما يراهن حزب الله، بل اتفاقات وتقاطعات سياسية على مستوى دولي وإقليمي.
تنظر هذه القوى الدولية إلى ما يجري على الساحة اللبنانية بأنه تظهير للحدث الأكبر، وهو الصراع الإيراني – الإسرائيلي على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، مما يعني أن الصراع الدائر في لبنان هو جزء من صراع أكبر وأعلى.
وفق هذا المسار، تتحرك الجهات الدولية والإقليمية في المفاوضات والضغوط، وقد عبّرت فرنسا أكثر من مرّة عن امتعاضها من السلوك الذي تنتهجه إيران في لبنان واتهامها بأنها تقاتل باللبنانيين، يترافق ذلك مع ضغوط أخرى هدفها تطويق النفوذ الإيراني، في لبنان كما في سورية.
لبنانياً برز تحرك جديد للأردن من خلال زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي قبل فترة إلى بيروت، بعدها جاءت زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومن ثم زيارة قائد الجيش جوزيف عون إلى عمان، كما يفترض أن تتجه شخصيات سياسية أخرى إلى الأردن لعقد لقاءات، وذلك يندرج في سياق استمزاج آراء القوى السياسية حول المرحلة السياسية التي تلي الحرب.
بدأ التحرك الأردني بعد سلسلة اجتماعات ولقاءات دولية ودبلوماسية، وفي هذا السياق فإن ما يقوم به الأردن، يندرج في سياق التنسيق مع الولايات المتحدة، ودول أوروبية وعربية. يترافق ذلك مع المساعي الدولية والمفاوضات لوقف إطلاق النار وإنجاز الترتيبات اللازمة لوضع الجنوب وتطبيق القرار 1701، مع الاقتناع بأن هناك حاجة لمسار تفاوضي طويل للاتفاق على كل التفاصيل، وهو ما يبدو أنه سيكون مترافقاً مع مواصلة الحرب.
في الموازاة، تأتي الحركة الأردنية، التي تشبه إلى حدّ بعيد المبادرة الكويتية التي قّدمت سابقاً للمسؤولين اللبنانيين في العام 2022 التي كانت تمثّل الدول العربية، وطرحت 10 شروط للخروج من الأزمة، وأبرزها تطبيق القرارات الدولية وحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية والعودة إلى الانسجام مع الدول العربية، وضبط الحدود والمعابر ووقف التهريب وانجاز إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة. حالياً يتجدد النقاش في مثل هذه الشروط والبنود لمرحلة ما بعد الحرب.
بدوره، جدد ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعوته إلى «وقف إطلاق نار فوري» في لبنان، معتبراً الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لقوات يونيفيل «غير مقبول».