كتب فؤاد بزي في “الأخبار”:
أعادت الحرب الصهيونية رسم خريطة توزّع المشتركين في شبكتَي الخلوي «ألفا وتاتش». وبسبب متابعة الناس للأخبار لحظة بلحظة، ساهمت الاعتداءات في زيادة استهلاك الداتا من المقيمين في لبنان بنسبة قاربت 80%، كما أدّت إلى تركز الضغط على الشبكة في «المناطق الآمنة»، مقابل شبه انعدام للإنترنت والمشتركين وحتى الاتصالات في عدد من المناطق التي تتعرّض يومياً للاعتداءات، وحيث النسبة الأكبر من النزوح، وفقاً لبيانات شركتَي الهاتف المحمول «ألفا وتاتش».
في السنوات الأخيرة، تحوّل الإنترنت من سلعة كمالية إلى حاجة أساسية في الحياة اليومية. ومع توسّع رقعة الاعتداءات الصهيونية على لبنان، وتحوّلها إلى حرب مفتوحة، يسهم مؤشر استهلاك الإنترنت في إظهار كيفية قضاء السكان أوقاتهم خلال الحرب. ففي بيروت، ارتفع استهلاك الإنترنت اليومي على شبكة «تاتش» من 60 ألف جيغا، قبل عملية «طوفان الأقصى»، إلى 90 ألفاً في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول الماضي. أي بعد مرور نحو شهر على بداية الحرب، وهي زيادة بنسبة 50%. أما على شبكة «ألفا»، وفي بيروت أيضاً، فبلغت الزيادة للفترة نفسها، من 30 ألف جيغا يومياً، إلى 40 ألفاً، أي بزيادة نسبتها 33%.
ويمتدّ هذا الارتفاع في استهلاك الإنترنت ليشمل جميع المناطق المصنّفة آمنة، وعلى شبكتَي الهاتف المحمول «ألفا وتاتش»، إنما بنسب متفاوتة، إذ تظهر الأرقام سيطرةً نسبيةً لـ«تاتش» مقارنةً مع «ألفا». ففي منطقة عاليه، وصلت الزيادة على استهلاك الإنترنت إلى 45 ألف جيغا يومياً، بحسب الأرقام الصادرة عن شركة «تاتش» لغاية نهاية شهر تشرين الأول الماضي، مقابل 25 ألف جيغا، قبل الحرب، أي بزيادة نسبتها 80%. وعلى شبكة «ألفا»، سجّلت منطقة المتن أعلى زيادة في الاستهلاك وبلغت نسبتها 66%، إذ ازداد استهلاك الإنترنت من 45 ألف جيغا يومياً قبل الحرب إلى 75 ألف جيغا مع نهاية شهر تشرين الأول الماضي.
في المقابل، انخفض استهلاك الإنترنت بشكل حادّ في المناطق التي تتعرّض للاعتداءات الصهيونية اليومية. في بعبدا مثلاً، حيث الضاحية الجنوبية والثقل السكاني الأكبر، تراجع استهلاك الإنترنت بنسبة 28%، من 25 ألف جيغا قبل الحرب، إلى 18 ألفاً في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول. وفي النبطية، وصل الاستهلاك إلى أقل من 5 آلاف جيغا يومياً نهاية الشهر الماضي، بعدما كان بلغ 15 ألف جيغا قبل عملية «طوفان الأقصى». وفي صور، وصل التراجع إلى أعلى مستوياته، وبلغ 80% على شبكتَي «ألفا وتاتش». وهنا يجمع عدد من مهندسي الاتصالات في الشركتين على أنّ التغييرات في حجم استهلاك الإنترنت تعود إلى عاملَين «الأول، قضاء وقت إضافي على أجهزة الهاتف لمتابعة أخبار الحرب. والثاني، النزوح عن مناطق السكن الأصلية، والاعتماد على شبكات الخلوي للحصول على الإنترنت، بعدما كانت شبكات الوايفاي في البيوت هي المزوّد الرئيسي للأفراد بالإنترنت الرخيص».
ولكن، هل ستتمكن الشبكة من تحمّل هذا الضغط المستمر على الإنترنت؟ بحسب وزير الاتصالات، جوني القرم، «قامت شركتا الهاتف المحمول بنقل عدد من التجهيزات من المناطق التي تتعرّض للاعتداءات نحو المناطق الآمنة، وهو ما أدّى إلى ثبات نسبي على الشبكة». ورأى القرم أنّ «وزارة الاتصالات استفادت من الخبرة التي حصّلتها خلال حرب تموز 2006، ووضعت خطةً أخذت فيها بالحسبان تركّز السكان في مناطق محدّدة». لذا، قيّم القرم وضع الإنترنت في أماكن تركّز النازحين بـ«المقبول نسبة إلى الواقع الذي نعيشه».
لكن، بحسب القرم، لا يشير ارتفاع استهلاك الإنترنت إلى زيادة في عدد المشتركين، بل تؤكّد الأرقام فقط تركز الضغط على شبكتَي الهاتف المحمول في «المناطق الآمنة»، رغم الدلالة الواضحة لهذه الأرقام، والتي تفيد بأن هناك زيادة كبيرة في شراء بطاقات تعبئة الخطوط الهاتفية، أو ما يعرف بـ«الدولارات».
وفي سياق متصل، رسمت معلومات شركتي الهاتف خريطة الانزياح السكاني قبل الحرب وبعدها. فالآن، يتركّز العدد الأكبر من مستخدمي شبكة الخلوي في بيروت وعاليه والشوف والمتن بشكل أساسي، وبنسب أقلّ في صيدا وزحلة وكسروان. وبحسب أرقام شركة «تاتش»، زاد عدد المتصلين بشبكة الإنترنت في منطقة بيروت بنسبة 68%، من 25 ألف شخص في شهر أيلول من عام 2023، إلى 42 ألفاً في نهاية شهر تشرين الأول من عام 2024. وفي عاليه، ارتفع عدد المتصلين بالشبكة بنسبة 100%، من 14 ألف شخص، حتى 28 ألف شخص. أما على مستوى شبكة «ألفا»، فحصلت الزيادات الكبيرة في مناطق المتن بنسبة 38%، من 40 ألف متصل قبل الحرب، إلى 55 ألفاً في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي. فيما ارتفع العدد في طرابلس بنسبة 30%، وكسروان بنسبة 23%.
النزوح في بعلبك داخلي
بيّنت أعداد المتصلين بشبكة الهاتف المحمول، وحجم الاستهلاك اليومي للإنترنت، أنّ النزوح في منطقة بعلبك هو داخلي، إذ لم يخرج السكان من النطاق الجغرافي لمحطّات التغطية فيها. ومن ناحية أعداد المتصلين، كانت الأرقام شبه متطابقة. ففي الفترة السابقة للحرب، أي في شهر أيلول من عام 2023، كان عدد المتصلين بالشبكة في بعلبك نحو 6 آلاف شخص، وفي الأسبوع الأخير من تشرين الأول الماضي، انخفض الرقم بشكل طفيف لنحو 5 آلاف و500 شخص. وعلى مستوى الاستهلاك اليومي من الإنترنت، ارتفعت الأرقام من 6 آلاف جيغا، قبل الحرب، إلى 14 ألفاً بعدها. وهذا مؤشر يدلّ على زيادة استعمال الهواتف والأجهزة الموصولة بالإنترنت، وعدم تغيّر بأعداد القاطنين في المنطقة.