كتب منير الربيع في “المدن”:
اختبر لبنان وصايات وانتدابات كثيرة على مرّ تاريخه. لم يكن يوماً إلّا خاضعاً لتوازنات خارجية تتحكم بمساراته الداخلية. لطالما كانت هناك محاولات لفرض ما يشبه الوصاية الدولية عليه في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد تفجير مرفأ بيروت، حين برزت اقتراحات عديدة لتشديد الرقابة البحرية وعلى المطار من قبل قوات اليونيفيل وغيرها. قبلها بسنوات، وخلال الحرب السورية، برزت اقتراحات كثيرة حول كيفية ضبط الحدود بين البلدين، فكانت اقتراحات عديدة لجهة توسيع انتشار الجيش اللبناني أو إنشاء أبراج مراقبة من قبل بريطانيا، وصولاً إلى طرح فكرة توسيع نطاق عمل القرار 1701 ليشمل السلسلة الشرقية.
كل هذه النقاشات تتجدد حالياً في الكواليس الديبلوماسية المعنية بلبنان. وتتوازى مع طروحات إسرائيلية أو دولية حول كيفية ضمان تطبيق القرار 1701 وما بعده، أي عدم قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية.
وفق هذه النظرة، فإن النتيجة تخلص إلى ضرورة ضبط الحدود بين لبنان وسوريا، لأن القناعة الدولية تركّز على أن الأراضي السورية هي الرئة والأوكسيجين بالنسبة إلى الحزب. ولذا، لا بد من خنقها. في هذا السياق يُسجل في الكواليس الدولية والإقليمية نقاشات ومباحثات عديدة حول كيفية التعاطي مع هذا الملف في المرحلة المقبلة. ويأتي ذلك بعد إصرار إسرائيلي على ضرب كل المعابر الشرعية وغير الشرعية بين لبنان وسوريا، في محاولة لقطع طرق الإمداد التي يستخدمها حزب الله ولفصل الجغرافيا اللبنانية عن الجغرافيا السورية.
لا تنفصل هذه الضربات الإسرائيلية عن كل الضربات التي توجه إلى حزب الله في لبنان، أو في سوريا، مع محاولات من قبل تل أبيب لفرض “وصاية أمنية وعسكرية” على لبنان، من خلال الشروط التي تسعى إلى تحقيقها مع القوى الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية.
جزء أساسي من النقاط التي يتم البحث بها على المستوى الدولي، هو كيفية ضبط الحدود اللبنانية السورية، ومنع التهريب عبرها، وخصوصاً منع تهريب الأسلحة. حاولت السلطات اللبنانية طوال السنوات الماضية العمل على نشر الجيش على الحدود الشرقية وضبط المعابر، ولكن الحدود تمتد على مساحات شاسعة ولا يمكن لطرف واحد أن يتمكن من ضبطها. وبحال تقرر نشر الجيش لضبطها بشرياً، فذلك يحتاج إلى أعداد ضخمة من العناصر والأفراد والضباط. فيما القناعة الدولية والإقليمية أن القرار في ذلك هو قرار سياسي وليس فقط تقني، ولا بد لدمشق أن تكون شريكة فيه.
هذا ما تعرفه دمشق جيداً، وهي التي حيّدت نفسها عن معادلة وحدة الساحات منذ بداية الحرب على غزة. وكل الضربات التي توجه إلى سوريا يعتبر النظام نفسه غير معني بها، بل ينظر إليها بوصفها تستهدف المواقع الإيرانية. ومن المعروف أن النظام يتلقى نصائح روسية وعربية وغربية حول ضرورة تحييد نفسه عن الصراع، مقابل الحصول على مساعدات وضمان استمراريته، وهو أكثر ما يسعى إليه، أي إعادة تعويم نفسه سياسياً وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا، فيراهن على المساعدات الخارجية. ويسعى إلى إعادة تطبيع العلاقات مع جهات عديدة.
في هذا السياق، تشير مصادر ديبلوماسية إلى أن دمشق توصل رسائل لبعض الدول بأنها جاهزة لاحقاً للعب دور أساسي في ضبط الحدود ومنع عمليات التهريب، ولكنها في المقابل تريد الحصول على مكتسبات سياسية، من خلال تحسين العلاقات مع دول عديدة. وهو ما يركز عليه النظام في مفاوضاته مع بعض الدول الأوروبية، وخصوصاً دول في أوروبا الشرقية أو حتى مع إيطاليا، من خلال قنوات فتحت مؤخراً. وهو يحاول تقديم نفسه كعنصر مساعد في منع الهجرة من سوريا ولبنان باتجاه أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
وهنا تكشف مصادر متابعة أن ثمة دوراً تلعبه تشيكيا وقبرص في نقل الرسائل ما بين دمشق ودول في الاتحاد الأوروبي، وحتى مع الولايات المتحدة الأميركية. وجزء من هذه الرسائل يتعلق بالاستعداد للعب دور على الحدود اللبنانية السورية لمنع تدفق الأسلحة. وقد يكون الطموح وراء ذلك إعادة لعب دور مؤثر في لبنان.