Site icon IMLebanon

رهانات داخلية على نزع سلاح الحزب ومحاكمته

كتب عمار نعمة في “اللواء”:

تُطرح تساؤلات جوهرية حول ماهية المرحلة المقبلة التالية للحرب على لبنان في غمار رهانات من طرفي نقيض المعادلة اللبنانية لتغيير موازين القوى الحالي.

المؤسف والغريب في الأمر ان البعض لم يتعلم شيئا من النكبة الحالية للكيان بشريا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، وثمة رهانات على إعادة عقارب الساعة الى الوراء وسط تعويل على هزيمة كاملة لـ«حزب لله» ستحدث انقلابا دراماتيكيا في الداخل.

وإذا كان بعض من في المحور الآخر لم يتعلم هو الآخر مما حصل في حرب كان على لبنان تجنّبها منذ كانت جبهة إسناد وقبل أن تتحوّل حربا أكبر مما حصل في تموز 2006، إلّا أن الأطراف المخاصمة للحزب تراهن على الوقت لانكساره مثلما تراهن على بيئة الحزب للتمرّد عليه وسط المأساة التي تعيشها وصولا الى تحضير المسرح لما بعد الحزب وللتشفّي ممن يرفض الواقع المقبل بكل الوسائل وصولا عند البعض الى تخيّل سيناريو إجراء محاكمات ميدانية لقيادات الحزب على غرار ما حصل في حروب كبرى في التاريخ!

طبعا هذه النظرة لا تشمل جميع خصوم «حزب لله» وهناك في المعارضة من لا يراهن على ذلك، سواء علنا أو لقناعة لديه، ولحسن الحظ ان هذا هو المزاج العام بين معارضي الحزب وهم الذين يعول عليهم لبناء لبنان ما بعد الحرب.

من ناحيته سيكون على «حزب لله» واجب مقاربة السياسة الداخلية من زاوية شمولية تجاه الشركاء في الوطن، وبالأخص المسيحيين منهم الذين يشعرون بالإحباط المزمن رغم مرحلة من النشوة بعد الانسحاب السوري العام 2005 ثم وصول العماد ميشال عون الى الرئاسة.. حتى عودة شعور التيه معززا بالانقسامات التي تطبع قدر الموارنة في هذا الكيان الهش.

.. ومسيحيا أيضا، مهما قيل عن تحميل لعون ولخليفته رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لمسؤولية التراجع الدراماتيكي للعلاقة مع الحزب، فإن واجب «حزب لله»، الطرف الأقوى، اليوم وغدا، احتضان الأخير الذي بكى بحرقة على الأمين العام السابق للحزب السيد حسن نصر لله، لكنه لا يستطيع الصمود في وجه المزايدات حتى المغالاة في الطائفية التي ترفع شعار وجود المسيحيين على المحك وتتهم الحزب بكل ما حصل لهم.

وبينما يبدو هَمّ النازحين ومنع أية فتنة واحداث مسيحية شيعية أولوية للتيار، أعطت «القوات اللبنانية» أهمية كبيرة لموضوع النازحين واعتنت بأعداد كبيرة منهم بقرار من رأس القيادة فيها. وحاولت أن لا تذهب بعيدا في خصام الحزب ورسمت مسارا دقيقا لخطابها السياسي لكنها وجدت نفسها وحيدة في صف المعارضة مع بعض الحلفاء، فرُفض رفعها شعار القرار 1559 بينما ركز معظم المعارضين على القرار 1701 (الذي يشمل الـ 1559) من دون رفع شعار يقسم اللبنانيين ويدشن ربما مرحلة اقتتال أهلي.

لكن المعارضة كاملة متفقة ان الحرب ما زالت بعيدة عن التوقف وهو أمر مفهوم كون ترامب سيتسلم الإدارة عنده في 20 من كانون الثاني المقبل، وحتى لو حضّر فريقه من اليوم فإن لا بحث جديّا في التسوية قبل أواخر الشتاء المقبل، وقد يلجأ ترامب الى توحيد الملفات في لبنان وغزة ليقدّم حلّا شاملا ربطا بمخططه الكبير في احلال «السلام» ويقصد طبعا بذلك صفقة القرن وعملية التطبيع مع العرب.

لكن فصل لبنان عن غزة يبدو ضروريا وستمرّ المنطقة بمرحلة حسّاسة وسط تشدّد إيراني في وجه ترامب أقلّه في المرحلة الحالية، وقد اتضح هذا الأمر في موقف «حماس» في غزة ورفض البحث بأفق سياسي وبحكومة وأفق وطني قبل وقف النار أو ضمانات على صعيده.

على ان في إمكان ترامب الاستفادة مستقبلا من أي تعثّر للجيش الإسرائيلي برّاً في لبنان لإجبار نتنياهو على الرضوخ وتحييد الملف اللبناني عن ذاك الفلسطيني. وفي إسرائيل نفسها من اليمين المتطرف من يقارب بحذر مرحلة ترامب المقبلة، فهي لن تكون كسابقتها وقد نضج الرجل سياسيا ولن يكون تحت السطوة اليهودية في ولايته الأخيرة.

في كل الأحوال يبقى الأهم بالنسبة إلى اللبنانيين التحضير من الآن لمرحلة ما بعد الحرب وعدم افتراض أي طرف انتهاء أو انكسار الطرف الآخر، فـ«حزب لله» سيبقى الطرف الداخلي الأقوى، وفي المقابل سيشكّل تهميش المسيحيين وتعميق احباطهم أرضية خصبة لحروب داخلية مقبلة.. وربما للتقسيم!