جاء في “الراي”:
العينُ على القمة العربية – الإسلامية المشترَكة غير العاديّة التي دعتْ إليها السعودية، غداً، والقلبُ على مناطق واسعة «تلتهمها» آلة الحرب الإسرائيلية «بمَن فيها» وتاريخٍ كأنّها تُمِزِّقُ صفحاته الذهبية المحفورة على أعمدة وقلاع وجدران.
هكذا كانت بيروت أمس، وهي تتهيأ لمحطةٍ بارزة تشكّلها قمةُ الرياض التي ستبحث في حربيْ غزة ولبنان وسبل وقف العدوان الاسرائيلي «والدفع باتجاه إيجاد حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية» على قاعدة «إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية»، والتي تأتي في توقيتٍ بالغ الحساسية على صعيد المجريات العسكرية لهاتين الحربيْن والأفق الدبلوماسي لوقٌفهما، كما لجهةِ تزامُنها مع «انتقال السلطة»، انتخابياً، في الولايات المتحدة من إدارة جو بايدن وعودتها إلى دونالد ترمب الذي باتَ واقعياً، تجاه المنطقة والعالم، صاحب «الختم الرسمي» الأميركي وإن كان لن يضع «خاتم البيت الأبيض» في يده قبل 20 كانون الثاني المقبل.وإذا كانت هذه القمة سترتكز في ما خصّ القضية الفلسطينية على جوهر «التحالف الدولي لتنفيذ حلّ الدولتين» الذي أطلقتْه السعودية «كنتاجٍ لجهد أوروبي وعربي مشترك»، وسط اعتبار أوساط سياسية أن البيان الذي سيصدر عنها سيشّكل «خريطةَ طريقٍ» تُلاقي انتخاب ترمب وترسم السقوف بإزاء سبل إخماد حرائق المنطقة ومنْع تَمَدُّدها وهو ما سيكتمل في القمة الخليجية التي تستضيفها الكويت في الأول من كانون الاول، فإن رَصْداً يسود لمسألتين:
– إذا كانت إيران ستثير طرْحَ «الدولة الواحدة التي يتعايش فيها جميع السكان الأصليين، مسلمين ومسيحيين، جنباً إلى جنب مع اليهود» والذي كان تَحَدَّثَ عنه وزيرُ خارجيتها عباس عراقجي قبل نحو 3 أسابيع، في ما بدا «هروباً إلى الأمام» من حلّ الدولتين.
– كيفيّة صوغ طهران موقفها من حرب لبنان بعدما أفرطتْ في تَظهير أنها صاحب «الإمرة» على لوحة أزرار الميدان وعلبة أسرار «اليوم التالي» وشروطه، واستطراداً لِما سيعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي لم يتوانَ قبل نحو 3 أسابيع عن التصدي «للتدخل الإيراني في الشأن اللبناني»، داعياً المسؤولين الإيرانيين لـ «تخفيف عاطفتهم تجاه لبنان».
ولم يكن عابراً أمس، أن ترفع طهران من منسوب «النطق والتهديد» باسم لبنان، وفق ما عبّر عنه كلام عراقجي الذي حذّر من خطر «انتشار» الحرب في قطاع غزة ولبنان إلى خارج الشرق الأوسط «إلى أماكن بعيدة»، معتبراً أن «المقاومة هي الطريق الوحيد للوصول إلى العدالة»، ولافتاً إلى «أن وقف النار وإرسال المساعدات إلى لبنان يجب أن يكونا أولوية للمجتمع الدولي وسنقف إلى جانب الشعبين اللبناني والفلسطيني وندعم حقهم في مواجهة الاحتلال»، بالتوازي مع تلويح رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف (في ذكرى أربعين السيد حسن نصرالله) بأن «العدوان على غزة ولبنان سيتوسّع إذا لم يتم كبْح الصهاينة».
ويأتي هذا الدخول الإيراني «المتدحرج» على خطّ حرب لبنان وإظهار «التحكم والسيطرة» على اتجاهاتها ليعمّق اقتناعَ أوساط على خصومة مع طهران بأنّ الأخيرة تسرّع «تجميع أوراقها» تحت جناحِ إمرتها المباشرة في إطار «إعادة تنظيم الصفوف» تماثًلاً مع مقتضيات رجوع الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ به، اي ترامب، الى البيت الأبيض في لحظةِ حربٍ وكأنها «وجودية» تخوضها اسرائيل على «محور الممانعة»، في ظل تقاطُعٍ على أن «الكاوبوي العائد» لا يمانع أن تمضي تل أبيب «نحو إنهاء مهمتها» وفق ما تراه مناسباً قبل أن يتسلّم منصبه، ومن دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الطريق ما بعد 20 كانون الثاني ستكون مفتوحة وسهلة «لوقف الحروب» بسرعة وفق «الوعد الترامبي».
وهذا الواقع المتشابك يجعل الحديث عن «مهمة الرمق الأخير» التي سيقوم بها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين لإنهاء حرب لبنان، الأسبوع الطالع، مبدئياً، محكومةً بأن تراوح مكانها، على غرار ما حصل معه في الأشهر الماضية، ولاسيما أن الجميع باتوا يتعاطون مع إدارة الرئيس جو بايدن على أنها «منتهية الصلاحية» ولا «عائد» سياسياً من تقديم أي «هدية» لها (موقف بنيامين نتنياهو) أو «تنازُل» لها (إيران) ما دام «الحل والربط» سيكون بعد نحو شهرين في يد ترامب، مع ما يعنيه ذلك تالياً من صعوبة تسويق منطق أن التسوية ستصبح أصعب بعد 20 كانون الثاني، خصوصاً أن أطراف الصراع صاروا أيضاً، على مستوى حساب الربح والخسارة، يقيسون الأمور على طريقة «أنا الغريق فما خوفي من البلل».
وعلى الأرض، شهد الميدان اللبناني موجات أعتى من المواجهات والغارات المدمّرة، وسط إمعان الجيش الإسرائيلي في مَظاهر يريدها «ناسفة للمعنويات»، سواء بتمدد سياسة «الأرض المحروقة» في قرى الحافة الأمامية أو تمزيق العلم اللبناني وحرقه من على شرفة أحد المنازل في الجنوب.
وغداة ليلةٍ مشتعلة في الضاحية الجنوبية التي تعرضت لأكثر من 14 غارة كان بعضها على تخوم الجامعة اللبنانية في الحدث، وفي مدينة صور التي «قسا» عليها الطيران مدمّراً مبانٍ ومتسبباً بوقوع العشرات بين ضحية وجريح، أكملت إسرائيل «حلقة الجنون» الجوي باستهداف مناطق واسعة جنوباً خصوصاً في قضاء صور ومدينتها وبقاعاً، وصولاً إلى البقاع الشمالي حيث سقط عدد من الضحايا في بلدة الكنيسة التي لم يسبق أن تعرّضت لغارات.
وفي وقت كانت «جردة الأضرار» في «سيدة البحار» صور تُبْكي حجرها الضارب في التاريخ، تماماً كما «جوهرة» مدينة بعلبك، أوتيل بالميرا «فندق أكبر النجوم» الذي نخرتْه شظايا غاراتٍ – على تخوم القلعة الأشهر – تركت ندوباً في «غرفة فيروز» وذاكرةِ «جار القلعة وأنيسها» و«الشاهد على حقبات تاريخية وأحداث مصيرية منذ الحقبة العثمانية، مروراً بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وفترة الانتداب الفرنسي» و«دوَّن الجنرال غورو عام 1920 على إحدى صفحات السجل فيه(لقد قمنا بضم البقاع إلى لبنان)»، وسّع «حزب الله» استهدافاته في العمق الاسرائيلي حيث أطلق عشرات الصواريخ في إطار عمليات متسلسلة أبرزها ضد قاعدة زوفولون للصناعات العسكرية شمال حيفا وصفد.