كتب عبدالله عبد الصمد في “نداء الوطن”:
أتت حادثة عاليه، التي نتج عنها ضبط سيارتين محملتين بصواريخ، ما خلق حالة من الذعر لدى المجتمعات المضيفة في عاليه، كما في جميع المناطق اللبنانية، فازدادت على إثرها وتيرة تطوع المدنيين في أعمال الحراسة والمراقبة بين بعذران وبعقلين وعاليه والكحّالة كخيط سبحة يربط كلّ الأحداث على الأراضي اللبنانية بعلّة واحدة هي العدوان الإسرائيلي، وبمشهديّة تختلف فيها التفاصيل والمسببات. تتدرّج من اللامبالاة بسلامة المدنيين الآمنين في بعذران، إلى فرط الحماسة في بعقلين، ثم إلى سوء مسؤولية الحزب المسلّح في “فانات” عاليه، وانكشاف أمنيّ في سيارات الكحالة المستهدفة. فهل نغضّ الطرف عن تفاعلات كل ما يحدث؟ لا، قصدنا تلك البقع الجغرافيّة وعدنا بما يُنذر: الآتي قد يكون أعظم!
في جميع المناطق اللبنانيّة دون استثناء، يعيش المواطنون حالة من القلق المتشعّب، فبين عدوّ لا يقيم للمعايير الإنسانية أي اعتبار، وحزب لبنانيّ يتسلّل بسلاحه الثقيل إلى المناطق الآمنة، واقتصاد وطني يعاني منذ أعوام، وفقر واضح في عتاد وعديد أجهزة الدولة، كان لا بدّ من الاستعانة بالمجتمعات المحليّة لتخطّي المرحلة بأقلّ أضرار ممكنة.
أتت حادثة عاليه، التي نتج عنها ضبط سيارتين (فان) محملتين بصواريخ، وتسليمهما إلى الأجهزة الأمنية، ما خلق حالة من الذعر لدى المجتمعات المضيفة في جميع المناطق اللبنانية، وليس فقط في عاليه، فازدادت على إثرها وتيرة تطوع المدنيين في أعمال الحراسة والمراقبة. ثم كان قبلها العراك الذي حصل في سن الفيل بين النازحين أنفسهم، وقد تخلله إطلاق نار من سلاح فردي، مما جعل هاجس وجود السلاح يخيّم على المجتمعات المضيفة. ليأتي بعد كلّ ذلك الإشكال الذي وقع في بعقلين بين متطوعين ونازحين مسالمين، ليقلب المعادلة من الخوف على المجتمع المضيف إلى خوفٍ على النازحين العُزَّل من حماسة غير مبرّرة.
كلّ هذه المشاهد أربكت القيّمين على خلايا الأزمة، فباتوا كمن يحاول العبور بين قطرات المياه.
بين ضبط النفس وحادث “بعذران”
علي أبوشقرا، رتيب متقاعد في الجيش اللبنانيّ، يعمل مع مجموعة من الشباب ليل نهار كمتطوّع في خلية الأزمة المحلية في إحدى البلدات. في النهار، يجولون على منازل النازحين لتقديم العون والوقوف على حاجاتهم، وفي الليل، ينخرطون مع عناصر الشرطة البلدية في مهام المراقبة والحراسة.
يقول أبو شقرا: “إن رئيس البلدية أخذ على عاتقه توجيههم وتدريبهم على العمل التطوعي، حتى بلغ عددهم في البلدة أكثر من أربعين بين شاب وشابة، من جميع التوجهات الحزبية والسياسية المتواجدة في البلدة، ومن أصحاب المهارات المختلفة. ولكلّ دوره وعمله.
عُزَّلٌ هم، حتى في أوقات الحراسة، يقتصر دورهم على المراقبة ومؤازرة عناصر الشرطة البلدية. على الرغم من ذلك، أقلقهم الإشكال الذي وقع في بعقلين، فهم في النهاية معرضون لمواقف صعبة أو مشابهة. وبات الهاجس مزدوجاً، هاجس دخول سيارات تشكّل أهدافاً متنقلة للعدوّ، وهاجس ضبط النفس في جميع المواقف، خصوصاً مع ازدياد أعداد السيارات غير المسجلة، بسبب الوضع القائم في مراكز تسجيل الآليات، وتجوّل المواكب الرسمية والأمنية في سيارات زجاجها داكن.
في أيلول الماضي، بعد توسّع الحرب، مرّ من أمامهم، بحسب أبو شقرا، الموكب الذي استُهدِف في بعذران. ظنّوه لجهة أمنية، ثم حصل ما حصل وسقط عدد من الشهداء. بعدها أصبحوا أكثر حرصاً في مراقبة من يدخل البلدة، لكنّ الأمر ليس بهذه السهولة، فقد يتعرّضون لمخاطر جرّاء هذه الاحتكاكات.
للضرورة أحكام
النائب عن قضاء عاليه، نزيه متى،يقول: “إن البلديات، خصوصاً الفقيرة منها، لا يمكنها تحمّل الأعباء التي أُلقيت عليها، لذلك كان لا بدّ من الاستعانة بمتطوّعين يساندونها على كافة الأصعدة، منها المراقبة والسهر على أمن المواطنين”.
يؤيد متى “اعتماد التطوّع مع البلديات، على أن يقتصر دور المتطوع في قسم الحرس على المراقبة والتبليغ عن أي خطر قد يلاحظه، وهو حضور معنوي يساهم في إشراك المجتمع المدني بتحمل المسؤولية، وحتى الشرطي البلدي دوره ليس أمنياً بالمعنى المطلق، بل وظيفته مدنية أكثر منها عسكرية، وهذا ما يجب أن يكون عليه دور المتطوع”.
يلاقيه في ذلك الوزير السابق أكرم شهيب، على الرغم من أنه لا يؤيد التطوع بشكله المجاني، سوى في حالات خاصة، بسبب عدة اعتبارات ويقول: “إن تعزيز دور الشرطة البلدية، من خلال فتح باب التوظيف، أو التعاقد مع أشخاص من خارج الملاك هو الحلّ الأمثل”، مفضلاً “أن يكونوا ممن خدموا سابقاً في السلك العسكري أو الأمني، نظراً لما يتطلبه الوضع الراهن من خبرة”. وعلى البلديات أن تنتقي انتقاءً من يمكنه القيام بهذا الدور، “فالنازح مجروح والمضيف قَلِق”.
إلى الدامور سرّ
في الدامور، يختلف المشهد رغم تشابه الهواجس. يقول عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون النازحين في البلدية الدكتور شاكر أبو عبدالله إن “أي موضوع يتعلق بالأمن الذاتي، أكان تطوعاً أو مساعدة ليس وارداً على الإطلاق في البلدة”.
هو يرى أن “لا سلطة للبلديات ولا للمجتمع المحلي بأمور أمنية على مستوى الوضع القائم اليوم. حتى الشرطي البلدي، وإن كان مسلحاً، ليس لديه السلطة للتوقيف أو الحجز. لذلك، نراه يقف حائراً بين مهامه وضوابطها، مكتوف اليدين. إزاء ذلك، تعمد البلدية إلى التنسيق مع أجهزة الدولة بشكل مباشر لما لها من حضور فاعل في البلدة”.
“يوجد في الدامور، بحسب بو عبدلله، مركزان للإيواء. الأول مخصص لعوائل الجيش اللبناني، وهو بإدارة الكتيبة المنتشرة في الدامور، أما الثاني، فهو تحت حماية ومراقبة مباشرة من الجيش. في كلِّ حال، الوضع في الدامور- أقله حتى الآن- مضبوط ومريح، دون الحاجة الى إشراك المجتمع المدني”.
نحو مجتمعات آمنة
من جهته يقول النائب متى إنه “لتحقيق الأمن في المجتمع الواحد الذي بات مكوَّناً من نازحين ومضيفين، يجب أن يصار في هذا الوضع الاستثنائي إلى وضع آلية تتيح للقوى الأمنية، بالتعاون مع البلديات، حفظ السلاح الفردي بالأمانة، بعد إعداد جردة رسمية تحفظ حقوق المالكين، بغض النظر إذا كان السلاح مرخصاً أو غير مرخص، حيث من المهم ألا يبقى أي سلاح يشكل خطراً على النازح وعلى المضيف”.
أما في ما خصّ السلاح الثقيل الذي يُنقَل عبر المناطق، فيؤكد الوزير شهيّب أن “لا اتصالات قائمة بين “الحزب التقدمي الإشتراكي” و”حزب الله” ليتمكنوا من الحؤول دون حدوث ذلك. التواصل في هذا الشأن محصور مع الأجهزة الأمنية التي هي وحدها مع البلديات قادرة على منع دخولها إلى مناطق الجبل”.