كتبت رماح هاشم في “نداء الوطن”:
تعود أزمة الكهرباء لتُطلّ برأسها، حيث أرست الحرب على لبنان تداعيات سلبيّة على هذا القطاع المُتهاوي أصلاً، وباتت تُنذر بأزمة متجددة إذا لم يتدارك المعنيّون مسألة نفاد الكميّة المتوفرة قبل استقدام شحنة جديدة يُمكن معها تلافي الكثير من العواقب. إلّا أنّ الإهمال الرسمي لم يتوقّف عند عدم تأمين شحنة فيول جديدة بل تعدّاه إلى عدم تطبيق الإصلاحات المطلوبة في هذا القطاع والتي من شأنها معالجة هذه الأزمة الحادّة.
تلفت المحامية والخبيرة القانونيّة في شؤون الطاقة كريستينا أبي حيدر إلى أنّ “الحديث الجدّي والمتجدّد عن الإصلاحات في قطاع الكهرباء عمره حوالى خمس سنوات أي منذ الإنهيار المالي، وبدأ حينما وضع المجتمع الدولي رزمة إصلاحات وطلب من الحكومة اللبنانية تطبيقها تمهيداً لمُساعدتها في تحسين القطاع وأهمّها تعيين أعضاء الهيئة الناظمة، تصحيح التعرفة، تطبيق الـقانون 462 تطبيقا كاملاً، تخفيف الهدر الفنّي وغير الفني وغيرها. هذه الإصلاحات لو تمّ السيْر بها لسمحت إمّا باستجرار الكهرباء من الأردن، إلى جانب القدرة للحصول على الغاز المصري وذلك عبر قرض من البنك الدولي الذي أبدى استعداده لتسريع القرض. وإذا افترضنا أن البنك الدولي لم يكن جديا في الدعم، فإن هذه الإصلاحات لو طُبقت لشجّعت القطاع الخاص الجدّي بأن يُشارك الدولة في تحمُّل عبء إنتاج الطاقة وتوزيعها عبر إنشاء معامل نظيفة، وسعي جدّي لتحسين الجباية ما كان وفّر منافسة عادلة، وتحسيناً للأسعار، وتأميناً دائماً للكهرباء”.
غياب الإجراءات والإصلاحات
وهنا تُشير أبي حيدر لـ “نداء الوطن”، إلى أنّه “حتى هذه اللحظة لم يرَ أيّ إجراء من هذه الإجراءات النور باستثناء تصحيح التعرفة، من دون أنْ تتمكّن الدولة من تخفيف الهدر غير الفني، بحيث لم تشمل الجباية مختلف المناطق اللبنانية. أما الهيئة الناظمة، فأعلن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض عن بدء مسار التعيين، لكنه لم يكن جديّا. لذا، لم تكتمل الإصلاحات التي تسمح للبنان بالحصول على الكهرباء من الأردن أو على الغاز المصري “.
وذكّرت أبي حيدر أيضاً بـ “بعض المعوقات وأهمّها عقوبات قيصر المفروضة على سوريا، والتي قد تمنع الاستفادة من القرض في حال عدم إقرار استثناء أميركي يتعلّق بمرور الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سوريا”. أضافت: “تكمن أهميّة هذه الإصلاحات في أن القرض الدولي مشروط بضمانات تؤكّد قدرة لبنان على تسديد هذا الديْن”.
“مصادر متعدّدة”
وبغض النظر عن كلفة استجرار الكهرباء من بلد آخر، تُشدّد أبي حيدر على “أهميّة تأمين مصادر متعدّدة للطاقة لدولة تعيش الظروف التي يمرّ بها لبنان، مثلاً أي تأخير في دفع المُستحقات لاستيراد الفيول العراقي (وهو المصدر الوحيد لتوليد الطاقة منذ الـ2021) يوصل البلد إلى العتمة المطلقة. من هنا أهميّة تعدّد المصادر التي تساعد في تأمين الأمن الطاقوي”.
حالة مزرية
وتعتبر أنّ “حالة قطاع الكهرباء حالياً مزرية جدّاً وفي وضع انهياري، لا سيّما في ظلّ عدم وجود أي قرار سياسي لوقف الانهيار وعدم وجود أيّ مجهود أو جدية في التعاطي، أو محاسبة، أو متابعة للملفات، أو نيّة حقيقيّة للإصلاح. حتى أن الاستهتار يطول المصدر الوحيد الذي يؤمّن الفيول أويل بحيث لا تدفع المُستحقات المتوجبة في مواعيدها. باختصار الحلول الترقيعية غير مفيدة وتؤجّل مواجهة المشكلة”.
إشاعات خطيرة!
تتابع “في ظلّ الحرب يُمكن تخيّل وضع البنى التحتيّة للكهرباء التي تتعرّض للقصف. فمن سيقوم بإصلاحها؟ وما الذي ينتظر القطاع في المستقبل القريب أو المتوسط؟ كلها أسئلة تُطرح من دون إجابات”، مُشيرةً إلى أنّ “الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان كبّدت قطاع الكهرباء خسائر كبيرة لاسيّما في الجنوب والبقاع والضاحية، والسؤال المنطقي الذي يطرح اليوم من هي الجهة القادرة ماليّاً على إجراء ورشة تجديد الشبكات في تلك المناطق والخوف مع عدم وجود نيّة إصلاحيّة حقيقيّة بأنْ يتحوّل أصحاب المولدات في المناطق المتضرّرة إلى ملوك يقومون بفرض شروطهم على المواطنين العائدين كما على الدولة”.
دخول “زمن العتمة الشاملة”
وعمّا إذا كان البلد حاليّاً أمام خطر العتمة الشاملة والعودة إلى العصر الحجري، تُجيب أبي حيدر “ما قبل اندلاع الحرب، كان إنتاج الكهرباء لا يكفي إلّا لساعات معدودة كوننا كنّا نعتمد على مصدر واحد من الفيول وهو العراقي. أمّا اليوم فنسمع إشاعات خطرة مثل إمكانيّة إغلاق الموانئ البحريّة وفرض حصار على لبنان. وبحسب وزير الطاقة فإنّ لبنان لديه احتياطي من النفط يكفي فقط لأسبوعيْن وهذا ما يؤكّد أنّ لبنان غير مُستعدّ لموضوع الحصار… وبالتالي فإنّ عدم تزويد لبنان بالفيول لتوليد الكهرباء سيؤثّر ليس فقط على تزوّد المباني السكنيّة بكهرباء مؤسسة لبنان، وإنما أيضاً وخصوصاً على المرافق الحيويّة مثل المستشفيات، ومراكز الإتصالات، والمياه، وغيرها وما قد يزيد الطين بلة هو إمكانية توقف المولدات الخاصة عن العمل مع انقطاع الفيول والمازوت”.
ووفق ذلك تؤكّد أبي حيدر أنّ “وقف إمدادات لبنان بالفيول العراقي يؤدّي حكماً إلى كارثة حقيقيّة، لا سيّما أننا على أبواب الشتاء. والأخطر من ذلك، أنّ وزارة الطاقة والمياه لم تضع أيّ خطة لمواجهة الحصار وذلك باعتراف وزير الطاقة”، خاتمةً “سيناريو تقنين إنتاج الطاقة بواسطة المولدات الخاصة وتلك العائدة لمؤسّسة كهرباء لبنان في هذه الظروف وارد في أيّ لحظة، ما سيؤدّي حكماً إلى دخولنا في زمن العتمة الشاملة”.