كتب منير الربيع في “المدن”:
السلام المستحيل. كلمتان يمكن بهما الردّ على كل طروحات السلام التي يتقدم بها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. ليست المرّة الأولى التي تتعايش فيها المجتمعات العربية مع طروحات السلام. منذ اتفاق الهدنة في العام 1949، إلى العدوان الثلاثي في العام 1956، وحرب العام 1967، وحرب 1973، واجتياح لبنان وصولاً إلى بيروت في العام 1982، وإطلاق مسار الأرض مقابل السلام في التسعينيات من القرن الفائت، استولى الإسرائيليون على الأرض، وزادوا من سياسة التوسع والاستيطان ونبذوا السلام وقضوا عليه. مجدداً يعود الحديث عن السلام والذي أطلقه ترامب، وهو الذي يُراد له أن يكون على المجازر والدماء والدمار، فيُفرض فرضاً على طريقة الاستسلام. وذلك ما تعرفه الدول العربية مجتمعة والتي تجد نفسها في مواجهة مشروع إسرائيل الكبرى أو الموسعة.
التوسع والفتن
كانت مصر والأردن ولا زالتا في عين العاصفة الإسرائيلية. إذ أن المشروع الإسرائيلي الصريح هو تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، وفي ذلك تهديد للأمن القومي العربي ولوحدة كيانات هذه الدول. كما أن المشروع الإسرائيلي والذي لاقى دعماً من دونالد ترامب في ولايته الأولى، لا يقتصر على القضاء على القضية الفلسطينية وإنهائها، بل هو مبني على الفتن أو التجزئة على غرار إعلان وزير الخارجية جدعون ساعر الحاجة إلى انتاج تحالفات أقلوية في المنطقة. ولذلك هو لا ينحصر في فلسطين بل يهدد المنطقة بأسرها، جغرافياً، ديمغرافياً، عسكرياً، أمنياً، واقتصادياً، لا سيما في حالة العودة إلى النقاشات الإسرائيلية ما بين مشروعين، مشروع إسرائيل الكبرى جغرافياً أو إسرائيل العظمى بقوتها المالية والاقتصادية واستثماراتها المؤثرة في كل دول الشرق الأوسط. وهي نظرية كان قد أطلقها الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز في الستينيات، وعاد جددها بعد اتفاق أوسلو. إذ شدد على التمسك بتوسيع جغرافية إسرائيل وتعظيم دورها الاقتصادي.
لا يمكن للحكومة الإسرائيلية الحالية أن توحي بالسلام، ولا يمكن للسلام أن يقوم على حساب الفلسطينيين ونضالهم المستمر منذ أكثر من ثمانية عقود. لا يمكن للسلام أن يقوم على أغلال من الحقد الذي تفجرّ في سحق الأطفال والنساء وجرف المدن والأحياء وخنقها وإعدام مقومات الحياة فيها. لا أفق للسلام مع مجموعة تؤمن بأن الفلسطيني المقبول هو الفلسطيني المقتول، وهذا أوضح الإجابات على المجازر الممنهجة واستهداف الأطفال، وارتكاب أفظع الجرائم في سياق حرب الإبادة والتطهير العرقي. وهذا مشروع لا يقف عند حدود فلسطين، إنما تستغل إسرائيل الفرصة مع حكومتها اليمينية لدفع المنطقة كلها إلى الاستسلام لها ولإرادتها ولمشروعها.
الرد على القمة
سريعاً، جاء الردّ الإسرائيلي على القمة العربية والإسلامية الاستثنائية التي عقدت في المملكة العربية السعودية، إذ في الوقت الذي كانت تخرج فيه القمّة بتأكيد وتثبيت لحق الفلسطينيين بإنشاء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، مع الإدانة للإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل، سارع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى الدعوة لإعلان السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، والرهان على دعم أميركي يوفره ترامب لإسرائيل في خطوتها هذه، وهو الذي كان قد قال سابقاً إن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب مساعدتها لتوسيعها. من شأن هذا الردّ أن يجهض كل محاولات الدول العربية والإقليمية للوصول إلى اتفاق حول حلّ الدولتين.
يستحيل السلام بعد كل هذه المجازر. ولا يستقيم مع سياسة توسعية تستهدف الإجهاز على فلسطين وقضيتها وتهجير شعبها، كما تستهدف تهديد دول أخرى منها مصر، الأردن، لبنان، وسوريا، بجغرافياتها وديمغرافياتها. فالإجهاض الإسرائيلي السريع لمسعى القمة العربية والإسلامية، يشبه إلى حدود بعيدة، عمليات إجهاض كل المبادرات الساعية إلى وقف إطلاق النار في غزة كما في لبنان، مقابل الاستمرار في الحرب والتصعيد العسكري. لأن ما يريده الإسرائيليون هو تحقيق نتائج تفوق النكبة في العام 1948، والنكسة في العام 1967، واجتياح بيروت 1982، وتغيير وقائع الإقليم وتوزاناته، من خلال التركيز على ضرب إيران ومحاولة توريط المنطقة أو العالم ربما في هذه الحرب.
ما يؤسس له الإسرائيليون هو مسار لحروب متناسلة، لا سلام فيها، طالما أن إسرائيل لا تعترف بشعوب ولا بحدود، ولا بأدوار دول.