كتب منير الربيع في “الجريدة الكويتية”:
ليس عن عبث يكثف الإسرائيليون من عملياتهم العسكرية، ومن الغارات على كل المناطق في لبنان والتركيز على الضاحية الجنوبية لبيروت بجولات نهارية وليلية من الغارات، إضافة إلى الإعلان عن الانتقال إلى المرحلة الثانية من العمليات البرية، فكل ذلك يأتي بالتزامن مع كميات كبيرة من الضخ الأميركي والإسرائيلي حول الأجواء الإيجابية للوصول إلى اتفاق لوقف الحرب على لبنان. علماً أن الشروط التي يطالب بها الإسرائيليون تبدو مستحيلة التطبيق في أي اتفاق سياسي. خصوصاً مسألة حرية الحركة العسكرية عندما تقتضي مصلحتهم، أو فرض رقابة برية وبحرية وجوية على لبنان. مثل هذه الشروط تتجاوز بكثير «اتفاق 17 أيار»، وتصل إلى حدود فرض وصاية عسكرية وأمنية وسياسية على لبنان.
ما أصبح واضحاً بالنسبة إلى اللبنانيين هو أن الإيجابية التي تتم إشاعتها من الأميركيين والإسرائيليين تتعلق باتفاق مشترك بينهما ومحاولة فرضه على لبنان بالقوة العسكرية لتطبيقه سياسياً، ولذلك لبنان يعلن بوضوح أنه لم يتسلّم أي ورقة أو مقترح من المقترحات التي جرى تسريبها. مما لا شك فيه أن هناك عدم إعلان صريح في إسرائيل عن الأهداف المراد تحقيقها في لبنان، فمنذ بداية العملية البرية كان الهدف المعلن هو إعادة سكان المستوطنات الشمالية، ووصفت العملية بالمحدودة، فيما بعد بدأت اللهجة تتغير أولاً لجهة توسيع نطاق العملية البرية، وتالياً صدرت تصريحات حول نزع سلاح حزب الله، أو تغيير الوقائع الأمنية والسياسية. كل ما هو مطروح إسرائيلياً، يعني تحويل لبنان إلى حالة مشابهة للضفة الغربية.
بالمعنى الجدّي، لا وجود لأي مؤشرات جدية حول الوصول القريب إلى لحظة وقف إطلاق النار، فإسرائيل لم تحقق أهدافها حتى الآن على الرغم من الضربات التي وجهتها لحزب الله. بعض الإعلام الإسرائيلي المحسوب على نتنياهو يركز بشكل يومي على حجم العمليات التي ينفذها حزب الله ضد العمق الإسرائيلي وأن الحزب لا يزال يتمتع بقدرة صاروخية عالية جداً، فذلك يهدف لإبقاء الرأي العام الإسرائيلي في حالة منسجمة مع الحرب وطول أمدها وحجم خسائرها. يراهن نتنياهو على الاستفادة من الظرف الأميركي القائم حالياً للتصعيد أكثر في لبنان. ربما يراهن على ترامب لمساندته في فرض تغييرات جوهرية بالتوازنات إما عسكرياً أو سياسياً. في المقابل، فإن ما يتلقاه لبنان من جهات دبلوماسية غربية وعربية، يشير إلى التخوف الأكبر من «عصر ترامب» الذي يريد تكريس العصر الإسرائيلي في المنطقة وفي لبنان أيضاً. إحدى الرسائل المباشرة التي سمعها مسؤول لبناني كبير قبل أيام على لسان مسؤول دولي كبير تشير إلى وجوب أن ينأى لبنان الرسمي بنفسه عن إيران وعن حزب الله، لأن إسرائيل تعتبر نفسها بمواجهة مباشرة معهما، وأنه لن يكون بإمكان لبنان معاندة أو مواجهة أو معارضة أميركا، فالتأثير الأكبر تريده واشنطن أن تكون صاحبته إلى جانب إسرائيل.
إلى ذلك، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي أمس زيارة الى لبنان شدد خلالها على أن «الأولوية في كل التحركات المصرية هي مسألة وقف إطلاق النار من دون أي شروط».
ونقل عبدالعاطي «رسالة دعم» من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأكد في الوقت نفسه «ضرورة استكمال مؤسسات الدولة وانتخاب رئيس توافقي للجمهورية بلا إملاءات دون أن يكون ذلك مشروطاً بوقف إطلاق النار».
كما نوه الوزير المصري بـ «دور الجيش في إحداث تماسك في الدولة»، قائلا: «لقد زرت العماد جوزاف عون وأكدنا له دعمنا للجيش وتحدثنا عن ضرورة تنفيذ القرار 1701 وأكد لنا الرئيس بري وقائد الجيش استعداد الدولة لتنفيذه واستعداد الجيش للانتشار الفوري لتحقيقه».
غارات
ميدانياً، تعرضت الضاجية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، أمس، إلى غارات جوية إسرائيلية عنيفة، طالت منطقتي الغبيري وحارة حريك، ما أدى إلى موجة جديدة لمن تبقى من سكان المنطقة. وتعرضت الضاحية في الساعات الأربع وعشرين الماضية إلى موجة كثيفة من الغارات.
واستهدفت غارة إسرائيلية شقة سكنية في منطقة عرمون التي لا تشكّل جزءاً من المناطق المحسوبة على حزب الله تقليدياً. وقالت وزارة الصحة اللبنانية، إن الغارة الإسرائيلية «أدّت في حصيلة أولية إلى سقوط ستة شهداء»، مضيفة أنه تمّ رفع «أشلاء من المكان يتمّ التحقق من هوية أصحابها إضافة إلى إصابة خمسة عشر شخصاً آخرين بجروح».
وغداة الإعلان عن مرحلة ثانية من العمليات العسكرية البرية في جنوب لبنان قد تطال الخط الثاني من القرى بعد أن دمرت إسرائيل الخط الأول من القرى على مدى أسابيع من القصف العنيف، قتل تسعة جنود إسرائيليين في إنفجار مبنى في إحدى قرى جنوب لبنان.