Site icon IMLebanon

ماذا يعني استنساخ غزة في لبنان؟

كتب جيرار ديب في “العرب اللندية”: 

“نعى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري المبادرة الأميركية الأخيرة لوقف إطلاق النار في لبنان” معلنًا في حديث لإحدى الصحف العربية، السبت 2 نوفمبر الجاري، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “رفض خريطة الطريق اللبنانية التي توافقنا عليها مع المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكشتاين.” وأشار إلى أنّ هذا يعني أن الأمور في لبنان أصبحت رهنًا بتطورات الميدان، مبديًا تخوفه من “تحويل لبنان إلى غزة ثانية.”

قد يكون بري متخوفا من إمكانية أن يصبح الوضع في لبنان مثل وضع غزة، حيث أفادت بعض التقارير بأن القطاع بات شبه مدمر، إذ حوالي 85 في المئة من مبانيه باتت غير مؤهلة للسكن. ليس هذا وحسب، بل تعمدت إسرائيل تدمير البنى التحتية للقطاع ما يجعل عودة الحياة فيه شبه مستحيلة على المديين القريب والمتوسط. لكنّ ما لم يطرحه بري في تخوفه، هو أن تكون إسرائيل بصدد رسم السياسة ذاتها التي رسمتها في غزة، والتي باتت شبه منجزة ألا وهي خنق غزة واقتطاع شمالها.

لا أحد يستطيع أن يضع الحرب منذ السابع من تشرين الأول 2023 في إطار “الميكرو صراع” بين قادة حماس والانتقام الإسرائيلي، وإلا كان ما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من طروحات معقولة لا بل منطقية. إذ قال إنه يجب على إسرائيل إعلان النصر، لاسيما وأنها حققت أهدافها بالقضاء على قادة حماس بعد مقتل زعيمها يحي السنوار. لكن في الواقع هذا ما لم يحدث، ما دفع المتابعين إلى طرح السؤال حول “الماكرو صراع” وماذا تريد إسرائيل حقًا من قطاع غزة؟ ولما تستمرّ في حربها طالما أنجزت المهمة، ولاسيما أن القطاع بات خارج الخدمة؟

في الخوض أكثر في مشروع إسرائيل في القطاع يتبيّن أن التفاوض توقف بين إسرائيل وحركة حماس عند رفض الأخيرة لأن تكون إسرائيل متواجدة على ممري فيلادلفيا ونتساريم. لكن تمسّك إسرائيل بتواجد جيشها على الممرين، حيث يكمن المشروع الإسرائيلي، يظهر ما تريده حقيقة من هذا القطاع. فدخول إسرائيل على معبر فيلادلفيا بات واضحا من خلال قطع الإمدادات بين حركة حماس ومصر، أي بالمفهوم العسكري “خنق القطاع” مستقبلاً، ولكن ماذا عن تمسكها بممر نتساريم؟

تحتاج إسرائيل إلى تواجدها في معبر فيلادلفيا، حيث تريد فرض حصار على القطاع في اليوم الثاني لما بعد انتهاء الحرب. ويعتبر نتنياهو أن خنق القطاع سيكون مهمة إسرائيل لعدم إعادة تجربة حماس مع أي فصيل سيشكل قوة الأمر الواقع التي سيتمّ تعيينها لحكم غزة، وسط اجتماعات بدأت بين حماس وحركة فتح في مصر بهذا الشأن.

لا يتوقف المشروع الإسرائيلي عند محور فيلادلفيا، بل يعتبر أن بسط السيطرة على معبر نتساريم يبقى هو الهدف الرئيسي من الحرب الإسرائيلية. فتمسك إسرائيل بفصل شمال قطاع غزة عن القطاع بأكمله، وجعله منطقة تحت سيطرة أمنية إسرائيلية، له دلالة تعود إلى شق قناة بن غوريون التي تربط الممر الاقتصادي الهندي الذي تمّ التوقيع عليه في نيودلهي في أيلول 2023.

توضّح المشروع الإسرائيلي في قطاع غزة، فهو ما يبرر استمرار العملية العسكرية في القطاع قائمة طالما هناك رفض فلسطيني لاحتفاظ إسرائيل العسكري بالممرين. فحرب الممرات هي جل ما يحتاجه نتنياهو لتكريس نفوذ إسرائيل في المنطقة، ولجعلها حاجة رئيسية لربط شرق آسيا بالعمق الأوروبي.

لا ينفصل المشروع الإسرائيلي في غزة عما هو عليه في الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة. وهو ما برز في تصريح نتنياهو من الحدود اللبنانية، الأحد 3 نوفمبر الجاري، بأنه “مع أو من دون اتفاق، سيبقى المفتاح لعودة سكاننا في الشمال بسلام إلى منازلهم هو إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وضرب أي محاولة منه لإعادة التسلح والردّ بحزم على أي عمل يستهدفنا.”

واضح نتنياهو في رسمه لسيناريو حربه على لبنان، وواضح في حربه التي أتت تحت عنوان ضمان “أمن مستوطنيه في الشمال”، عبر إبعاد الحزب إلى ما وراء نهر الليطاني. فبهذا العنوان يستطيع نتنياهو ضمان الأمن والاستقرار لسكانه، ولكي يحقق ذلك عليه إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، باستثناء تواجد الجيش اللبناني الذي سينتشر بحسب ما ورد في القرار 1701.

عمليات التدمير استهدفت المباني والأنفاق في الجنوب، هذا النمط يظهر تشابهًا مع الإستراتيجية التي اعتمدها الاحتلال في غزة منذ بداية حربه على القطاع، ما يؤكّد وجود أسلوب “متعمد” يسعى إلى تدمير البنية التحتية المدنية. لهذا فإن الإستراتيجية العامة لإسرائيل ترتكز على التدمير وخصوصًا في المناطق الحدودية التي تعرف بـ”قرى الحافة”، التي تدخل ضمن هدف إنشاء منطقة تسمى “بافرزون”، أي منطقة خالية تمامًا من أي بناء أو عمران، بما في ذلك الحقول والغابات.

ذكر نتنياهو في كلمته الحدود “اللبنانية – السورية” حيث يعمل جيشه على قطع أنبوب الأوكسيجن الخاص بحزب الله من إيران عبر سوريا. لهذا يعتبر البعض أن إسرائيل استنسخت حرب غزة على لبنان، ويبدو أن ما تخوف منه بري دخل حيّز التنفيذ، وإبعاد خطر صواريخ الحزب، لعدم التأثير على حركة النقل والمواصلات فيه، هو المطلوب للمرحلة القادمة.

لبنان دخل حيّز التدمير الممنهج من قبل الجيش الإسرائيلي، وبحسب التقارير فإن حوالي 25 في المئة من أبنية المناطق الجنوبية باتت مدمرة كليًا. هذا ما يؤكد أن الحرب ستطول في هذا البلد، وأن الأمور ذاهبة نحو التصعيد لاسيما في حال قامت إيران بالردّ كما صرّح بذلك مرشدها الأعلى علي خامنئي، في ظلّ حديث للبنتاغون في الولايات المتحدة عن مجيء حاملاتها الإستراتيجية إلى المنطقة في سيناريو قد يعيد حرب العراق مع إيران اليوم. كلّ شيء بات مطروحًا إلا إذا قامت روسيا بمساندة إيران، عندها ستكون المنطقة أمام خلط أوراقها إلى حين انتهاء الحرب.