كتب ميشال طوق:
رغم كل الويلات التي حلّت على لبنان واللبنانيين بشكل عام، وبشكل خاص البيئة الشيعية التي تتحمل تبعات السياسات والقرارات الخاطئة التي أدّت الى تدمير كامل لعشرات القرى وقصف متواصل لكل أماكن تواجد أبناء البيئة الحاضنة وغير الحاضنة، وإجبارهم على إخلاء منازلهم وتهجيرهم… وصولاً الى العراق، لا يزال الذين يتكلمون بإسم الحزب يصرون على إنكارهم ومكابرتهم وتعنتهم، كأننا نعيش ما قبل 8 تشرين 2023!
بالإمكان فهم هذا السلوك بينما لا تزال الحرب في أوجها، مع أن تحوير الحقائق والوقائع لهذه الدرجة يصدم البيئة الحاضنة المهجرة التي تعاني الأمرّين أكثر من غيرها بكثير، وبجانب هذا التحوير، ما زال الناطقون أو المتكلمون بإسم الحزب وعدد كبير من مناصريه يكيلون الإتهامات والتهديدات والوعيد بالإنتقام وتصفية كل من هو ليس معهم… وكل هذا معطوفاً على النكران، يضع اللبنانيين في موقف المتوجس من هذا السلوك المريب!
هذا الأداء المعيب والذي ينم عن إنحطاط مدقع، يفترض على قيادة الحزب والقيمين عليه أن يتبرّؤوا من هؤلاء علنية ويعلنوا بالفم الملآن أن كل اللبنانيين هم إخوتهم لأنهم تعاملوا بمحبة ووطنية وبطريقة راقية وأخوية مع أهلهم وأقربائهم وبيئتهم، ويضعوا حداً لما يتشدق به هؤلاء الموتورون الجهلة.
أما إن كان هذا كله من ضمن سياسة معتمدة عن سابق تصور وتصميم، وبخلفيات وتخطيط لما بعد إنتهاء الحرب، فبعد كل النصائح على مدى السنين التي كانت تنهال على قيادة الحزب للإنضواء تحت رايات الدولة اللبنانية فقط لا غير، والتي ذهبت هباءً ودفع الثمن الغالي بالدرجة الأولى من لم يلتفت لها، نقدم لكم هذه النصيحة الأخوية الأخيرة علها تلقى الآذان الصاغية والواعية والفاهمة.
في أواخر تسعينات القرن الماضي قام حليفكم بحرب مشؤومة على جيش إحتلال حافظ الأسد، من دون أي تخطيط أو تحضير وبلا أي مقومات للصمود، تماماً كما حال حرب المساندة ولو بدرجة متفاوتة، ودمر الإحتلال معظم المناطق الحرة وقتل الآلاف وشرد مئات الآلاف، تماماً كما يحصل اليوم، مع فارق أن العدو السوري المجرم والغاشم والغشيم كان يقصف عشوائياً من دون أي تنبيه للمدنيين…
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وبدل أن يتعظ بطل التحرير المزعوم المشؤوم، أراد أن يفش خلقه بمن دعمه وسانده وإحتضنه، فأدار كل آلته العسكرية المتبقية الى الداخل، ما أدى الى تفاقم الدمار والخراب والقتل والتشريد وتقطيع الأوصال… مئات المرات.
كانت نتيجة ما فعله هذا الطاغية مكلفة جداً له ولكل الشعب، وما زلنا ندفع أثمانه حتى اليوم.
إن كان أحد يفكر بتكرار السيناريو نفسه ويظن بأنه سيخلص الى نتائج مختلفة، نقول له أنه سيلقى المصير نفسه الذي لاقاه حليفه في السابق، مع فارق أن هذه المرة سيواجه كل اللبنانيين أيا تكن هويته الطائفية، ومن وراءهم مؤسسات الدولة كلها.
كنا وما زلنا منذ إتفاق الطائف الى اليوم في مواجهة أي شذوذ وخروج عن منطق الدولة ومؤسساتها من أي مكان أو فئة أتى، ودفعنا أثماناً باهظة في هذا السبيل، ولن يكون هذا الخيار عرضة للمهادنة أو المساومة تحت أي ظرف من الظروف، ولا خيار أمامنا مهما كبرت الأثمان، إلا بناء دولة قوية تبسط سلطتها على كل أراضيها بدون أي إستثناء أو تمييز، وكل ما دون ذلك خاضع للحوار والنقاش والتفاهم تحت سقف هذه الدولة وليس فوقه!
جميع اللبنانيين الذين أنهكتهم الحروب الفاشلة التي قام بها من ظنوا أنهم يستطيعون أن يحلوا محل الدولة، ليس لديهم أي خيارات متوفرة خارج الخيار الوحيد الذي يريدوه، وهو خيار الدولة بكل أسسها ومقوماتها وكينونتها، والخيار الوحيد المتوفر لمن يريد الخروج عن هذا الإجماع اللبناني، هو خيار الإنفصال عن الآخرين بكل تبعاته وسيئاته… ومن يأخذ هذا الخيار، سيتحمل هو وحده نتيجة الكوارث والويلات والنكبات التي ستنتج عن ذلك.