Site icon IMLebanon

أشواك وشكوك تُحاصِر “الإطفائي” هوكشتاين

جاء في “الراي الكويتية”:

من بيروت إلى تل أبيب انتقلتْ «العدسةُ» أمس مع الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي حَمَلَ إلى إسرائيل «التقدّمَ الإضافي» الذي حقّقه، في مسار وقف الحرب، خلال «الوقت الإضافي» الذي أمضاه في لبنان، من دون آمال كبيرة في أن تكون جولة المحادثات المكوكية التي قام بها (الثلاثاء والأربعاء) خاتمةَ مفاوضاتٍ مُضْنِيةٍ المكتوم منها أكثر من المعلَن، ليس فقط على صعيد البنود التنفيذية للقرار 1701 وآليات الإشراف على ذلك بل أيضاً على مستوى «عمْق» الأهداف في ما خص سلاح «حزب الله» ومصير مجمل وضعيّته خارج الشرعية في «اليوم التالي».

وعكستْ الإدارةُ المتأنيةُ التي يعتمدها هوكشتاين لمسعى وقف «حرب لبنان الثالثة» والتي ترتكز على مقترحٍ أميركي مُنسَّقٍ مع فرنسا، وإيحاؤه بأنه يعمل على طريقة «تضييق الفجوات» وتقدُّم «الخطوة خطوة»، أنّ الدبلوماسي المتمرّسَ والذي سبق أن أرسى «السلام البحري» بين لبنان واسرائيل على متن اتفاقية ترسيم تشرين الأول 2022، ليس فقط حريصاً على إنجاحِ مهمَّته التي وُضعتْ قبيل وصوله بين حدّيْ «شِبْه المستحيلة» و«المُمكنة بمعجزة» بل أيضاً على ألا تُسجَّل «فَشَلاً مُعْلَناً» لإدارةِ الرئيس جو بايدن، الذي إن لم يكن قادراً على إنهاء ولايته بإنجازٍ فأقلّه ألا يطويها بانتكاسةٍ «معترَف بها» وأن يحاول توفير أرضية تجعله في مكان ما شريكاً في الانفراجةِ بحال أصرّ بنيامين نتنياهو على ترْك «هدية» وقف النار للرئيس دونالد ترامب.

وبهذا المعنى تم التعاطي مع تَفادي هوكشتاين الإشارة إلى أن جولته الأولى في المنطقة كموفد لبايدن بعد انتخاب ترامب هي الأخيرة أو أنه سيرفع «الراية البيضاء» إذا لم تنته محطته في تل ابيب إلى إنجاز الاتفاق، حتى أنه أطلّ على المرحلة الانتقالية في واشنطن ومصير مسعاه خلالها وبعدها وذلك رداً على سؤال في بيروت حول النقاط العالقة في المفاوضات والخطوة التالية عقب زيارته تل ابيب «بما ان هناك إدارة جديدة ستتولى السلطة في البيت الأبيض»، إذ قال «هناك رئيس جديد، وكل رئيس بوقته، وسنعمل مع الإدارة الجديدة وسنناقش الأمور معها وسيكونون على اطلاع كامل بكل ما نقوم به، وكما قال الرئيس بايدن سيكون هنالك انتقال نظامي للسلطة ولا أعتقد أن ذلك مشكلة».

وإذ لم ينفِ هوكشتاين في جوابه احتمالَ أن «ينتقل» ملف الحرب ووقْفها الى الإدارة الجديدة في بلاده، فقد تقاطعتْ المؤشرات في بيروت وتل ابيب عند أن من الصعب اعتقاد أن ساعةَ الاتفاق دقّت أو أن زيارة الموفد الأميركي هي لـ «إقفال الصفقة». وأبرز هذه المؤشرات:

– كلام هوكشتاين بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري أمس، للمرة الثانية في نحو 24 ساعة، وغداة ليل طويل في السفارة الأميركية من تنقيح الردّ اللبناني «النهائي» على مسودة المقترح الأميركي مع علي حمدان (مستشار بري)، حيث أكد أن هذا اللقاء «تم بناء على ما حصل الثلاثاء وقد أنجزنا تقدماً اضافياً وسأنتقل خلال ساعات الى اسرائيل لمحاولة الوصول الى خاتمة اذا تمكنا من ذلك»، متفادياً كشف النقاط العالقة في التفاوض، والذي كان «يربط» فيه مع الجانب الاسرائيلي، ومذكراً بما سبقه أن أعلنه لجهة «اذا حققنا تقدماً سأنتقل الى اسرائيل وسأقوم بمحادثاتٍ إضافية وسنرى ما يمكن أن نقوم به».

– المعلوماتُ في بيروت عن أن بين النقاط العالقة، مسألة لجنة الإشراف على تنفيذ القرار 1701 وجعْل جنوب الليطاني خالية من أي وجود لـ «حزب الله» تحت الأرض وفوقها وعدم معاودة تكوين مخزونه من السلاح وتالياً ضبط المعابر مع سورية والمرافق البحرية والمطار، وهي «الموصولة» بحقّ اسرائيل في التحرك للتصدي لأي خرق تعتبره «تهديداً وشيكاً» أو خطراً «في طور التشكّل» ما لم تكن «الذراع التنفيذية» للجنة أي الجيش اللبناني بمؤازرة اليونيفيل قامت بمعالجته، وهو ما يَنْطوي عليه عنوان «بما يتناسب مع السيادة اللبنانية» الذي بات الاسم الحَرَكي لرفض بيروت و«حزب الله» (ومن خلفه إيران) التسليم بصلاحياتٍ «غير محدَّدة بدقة» للجنة ولا بطبيعة الحال بحرية الحركة والتصرف لاسرائيل والتي تضمر أيضاً إصراراً على المضي في الخروق الجوية عبر طيرانها.

وفي الوقت الذي أشيع أن لبنان وافق على ضم الولايات المتحدة وفرنسا الى اللجنة (الى جانبه واسرائيل واليونيفيل)، من دون أن يُعرف إذا كان الأمر في سياق تفعيل لجنة الناقورة الثلاثية القائمة منذ 2006 أو ضمن إطار جديد، مع تقارير لمحت إلى مرونة في ما خص إمكان إشراك بريطانيا ولكن ليس ألمانيا، برز استقبال الرئيس بري كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأدميرال إدوارد ألغرين في حضور السفير البريطاني في لبنان هاميش كاول.

وقال كاول بعد اللقاء «عقدنا اجتماعاً جيداً جداً، ونحن رسمياً نعمل جنباً إلى جنب مع لبنان للقيام بكل شيء يمكّننا في هذه اللحظة الحرجة من أن نساعد ونتابع جهود وقف النار عن كثب في لبنان وعلى رأس ذلك دعْمنا لقوى الجيش اللبناني».

«الدفاع عن النفس»

يُذكر أن تقارير تحدثت عن أن بنداً حساساً قد يشكّل لغماً بحال لم يجرِ توضيحه ويتصل بالحدود البرية وتظهيرها في ظلّ محاولةٍ من تل أبيب للارتداد حتى على الخط الأزرق والنقاط الـ 13 المتنازع عليها فيه و«العبث» بالحدود الدولية، في حين أفيد أن النقطة الدقيقة المتعلقة «بالدفاع عن النفس» تمّت معالجتها بصيغةٍ جعلتْ هذا الحق متبادلاً لكل من لبنان واسرائيل مع تكريس الولايات المتحدة «الضامن» لعدم إقدام تل أبيب على تنفيذ ضربات استباقية، في ما بدا محاولة لإحراجها بعدم تقديم أي تعهدات لاسرائيل، شفوية أو في ملحقٍ جانبي ثنائي، بحرية التصرف في «بلاد الأرز».

تشكيك إسرائيلي

– المناخات التشكيكية في اسرائيل بآفاق مهمة هوكشتاين بالتوازي مع «إغراقها» بتشدّد في ما خص مسألة حرية العمل في لبنان، وفق ما عبّر عنه تأكيد وزير الدفاع يسرائيل كاتس أن «شرطنا لأي تسوية سياسية مع لبنان هو الحفاظ على حق الجيش بالتحرك لحماية مواطني إسرائيل»، وهو ما لاقاه وزير الخارجية جدعون ساعر بإعلانه انَّ «تل أبيب على تواصل مع الأميركيين في شأن تسوية محتملة في لبنان»، مضيفاً: «في أي اتفاق نتوصل إليه، سيكونُ علينا المحافظة على حريتنا في العمل ضد لبنان إذا كانت هناك خروق. علينا أن نكون قادرين على التحرك في الوقت المناسب، قبل أن تتفاقم المشكلة، لأننا تعلّمنا الكثير من واقع البنى التحتية الهائلة التي وجدناها على الأرض في لبنان وغزة، ولن يُسمح لها بالتطور إلى تهديد مرة أخرى».

وتابع ساعر: «لا يمكننا أن ندفع ثمن ذلك من أمننا، مع تنازلات عن سيادتنا. مع ذلك، ما يجب تأكيده هو أننا نريد التوصل إلى اتفاق يمكن أن يصمد أمام الاختبار من الوقت (…) وهناك فرصة لإنهاء الاحتلال الإيراني للبنان وإعادة لبنان إلى اللبنانيين».

وترافق ذلك مع ما أوردته صحيفة «يسرائيل هيوم» نقلاً عن مصدر سياسي إسرائيلي من «ان التوصل إلى اتفاق لن يكون في الأيام القريبة على ما يبدو» و«أن الجيش الإسرائيلي صادق على خطط أخرى لمهاجمة الضاحية الجنوبية لبيروت، وتنفيذ اغتيالات أينما يتاح في لبنان، حتى في بيروت الشرقية (ذات الغالبية المسيحية)، واستمرار استهداف مواقع حزب الله في جنوب لبنان».

نعيم قاسم

– مواقف الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم التي أعلن فيها ان «الكلام للميدان والنتائج مبنية على الميدان بقسميه في البر وعبر قصف الصواريخ والمسيرات ولدينا القدرة على الاستمرار لمدة طويلة، معلنا انه«لا يمكن أن تهزمنا إسرائيل وتفرض شروطها علينا ونحن رجال الميدان».

وكشف قاسم ان «الحزب تسلّم الورقة التي تبحث في المفاوضات ودرسناها وأبدينا ملاحظاتنا عليها»،

وقال «لدى الرئيس بري ملاحظات كذلك وهي متناغمة ومتوافقة، وهذه الملاحظات قدمت للمبعوث الاميركي وتم النقاش فيها بالتفصيل. ونحن قررنا عدم التكلم عن مضمون الاتفاق ولا عن ملاحظاتنا».

وأضاف «تفاوضنا تحت سقفين، وقف العدوان بشكل كامل وشامل وحفظ السيادة اللبنانية أي لا يحق للعدو أن ينتهك ويقتل ويدخل ساعة يشاء تحت عناوين مختلفة».

وتابع قاسم «أعددنا لمعركة طويلة ونحن نتفاوض الآن ولكن ليس تحت النار لأن إسرائيل أيضا تحت النار. وقررنا أن يسير مسار الميدان بشكل تصاعدي مع مسار المفاوضات».

بيروت مقابل تل أبيب

وإذ رَسَمَ معادلة «بيروت مقابل تل أبيب» معلناً «لا يمكن أن نترك العاصمة تحت ضربات العدو إلا وأن يدفع الثمن في وسط تل أبيب»، قال:«لا أحد يستطيع أن يضمن إذا كان سيؤدي الاتفاق إلى وقف النار لأنّه مرتبط بالردّ الإسرائيلي»، ليطلّ على ما بدا «ربْطاً» مع «وجه سياسي» للحزب ما بعد الحرب على قاعدة«سنقدم مساهمتنا لانتخاب رئيس بالطريقة الدستورية، وستكون خطواتنا السياسية تحت سقف الطائف وسنكون حاضرين في الميدان السياسي لنبني ونحمي».

رسالة دموية

– الرسالة الدموية التي وجّهتها اسرائيل على دفعتين للجيش اللبناني، الذي شكّل ركيزة تنفيذ القرار 1701، حيث سقط 4 عناصر منه في الجنوب، 3 باستهداف مركز للجيش في بلدة الصرفند مساء الثلثاء، ورابع سقط بقصف آلية عسكرية على طريق برج الملوك – القليعة.

– اشتعال المواجهات الأكثر ضراوة في الجنوب، ولا سيما على محور طيرحرفا – شمع – البياضة في القطاع الغربي والخيام في القطاع الشرقي وسط تقارير عن سقوط 3 قتلى من الجيش الاسرائيلي.

وفي الوقت الذي ارتفعتْ وتيرةُ المواجهات شرق مدينة الخيام مع محاولات جديدة نفذها الاسرائيليون لتحقيق اختراق في الوسط والشمال تحت غطاء من الغارات والقصف المدفعي، تحدثت تقارير عن رفع العلم الاسرائيلي في بلدة شمع (جنوب مدينة صور) حيث يحاول الجيش الاسرائيلي بلوغ البياضة على الشاطئ البحري (في عمق نحو 6 كيلومترات) لعزل بلدة الناقورة ومحاصرة مقاتلي «حزب الله» في أحراجها وبلداتٍ محيطة.

وعلى وقع كل هذه التطورات المتسارعة والتي ترافقت مع عمليات لـ «حزب الله» ضد مستوطنات اسرائيلية وصولاً الى العمق، غادر هوكشتاين بيروت الى تل ابيب في ساعات المساء الأولى، بعدما حرص على شراء القهوة من «ستاربكس» فرع فردان حيث تَجَمَّعَ حوله مواطنون ورفضوا أن يدفع ثمن القهوة «فأنت ضيفنا».

لقاءات هوكشتاين

وكان هوكشتاين زار قبلها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والرئيس السابق للجمهورية ميشال عون، غداة لقاء مطوّل مع رئيس حزب«القوات اللبنانية»سمير جعجع في دارته في معراب استُكمل على مائدة عشاء.

وقد وَضَعَ هوكشتاين جعجع في أجواء المفاوضات التي يجريها للوصول الى وقف النار والاتفاق على آليات تنفيذ القرار 1701، فيما أكد رئيس «القوات»من جهته أن «أي حل لا يرتكز على تطبيق القرارات الدولية 1559، 1680، 1701 والبنود ذات الصلة في اتفاق الطائف، لن يكون ذا جدوى للبنان».

وتم التعاطي مع زيارات الموفد الأميركي للقادة السياسييين على أنها في إطار ملاقاةِ اعتراضاتٍ، ولا سيما من المعارضة و«القوات»، على تفرُّدِ بري، مفوَّضاً من«حزب الله»، في إدارة تفاوض حول مستقبل لبنان وشعبه، في ظل غياب رئيس للجمهورية وحكومة تصريف أعمال، ناهيك عن أن اللقاء مع جعجع بدا في إطار سماع وجهة نظر فريق أساسي في المعارضة لجهة مرتكزات حلّ لا تريده محصوراً بمعالجة مسألة سلاح «حزب الله» جنوب الليطاني فقط بل مجمل وضعيته خارج الشرعية وإلا كان الأمر فتيلاً يُخشى أن يزجّ لبنان بعد الحرب في أتون أزمة داخلية خطيرة.